للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقصة الظهار في الإسلام معروفةٌ، وقد حَدَثَتْ لخولة بنت مالك بن ثعلبة زوجة أويس بن الصامت - أخِي عبادة بن الصامت الذي روى حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (١) -، وخويلة بنت مالكٍ ابنة عَمِّ أويس كذلك، وقد ظاهَرَ منها أويس يومًا، فما كان منها إلا أن ذَهَبَت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشكو حالها وما كان مِن ظِهارِ زوجِها منها، وتَعرِضُ على رسول الله أَمْرَهَا وتريد مَخْرَجًا من ذلك، لعلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يردّها إلى زَوجِها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُهَوِّنُ عليها ويقول لها: "اتقي الله في ابن عمك، إنه زَوجُكِ"، وإنما كان هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا عِلمَ له بالغيب، وإنما كان يَحكُمُ بما أَنزَلَ الله سبحانهُ وتعالى عليه، والظهار في ذلك الوقت كان أمره كأمر الطلاق، فلما جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهَا أنها قد حَرُمَتْ بذلك على زَوجِهَا وأنه لم يَنزِلْ بَعْدُ عليه - صلى الله عليه وسلم - حُكْمٌ يَرفَعُ ذلك.

فَبَقِيَ الأمر على ما كان، وبقيت خولة تُكَرِّرُ شَكْوَاهَا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاء في بعض الروايات أنها قالت: "أَكَلَ مالي وأَفْنَى عمري ونَثَرْتُ (٢) له بَطْنِي - أي: أولادي - حتى إذا تَقَدَّمَ سِنِّي جَعَلَنِي كَأُمِّهِ! "، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبرها بما عنده من حُكم ثابتٍ في هذا الأمر، فما كان منها إلا أنها اتَّجَهَت إلى الله سبحانهُ وتعالى، فَنَزَلَ قولُ الله سبحانهُ وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ


= "الظهار: مشتق من الظهر، وخُصَّ به من بين سائر الأعضاء، لأنه موضع الركوب، ولهذا سُمّي المركوب ظهرًا والمرأة مركوبة إذا غشيت. فقوله لامرأته: أنتِ عليّ كظهر أمي، معناه: أنه شبه امرأته بظهر أمه في التحريم، كأنه يشير إلى أن ركوبها للوطء حرام كركوب أمه له".
(١) أخرجه البخاري (٧٥٦)، ومسلم (٣٩٤).
(٢) يُنظر: "الصحاح" للجوهري (٢/ ٨٢٢)، حيث قال: "نثرت الشيء أنثره نثرًا، فانْتَثَرَ. والاسم: النَّثارُ. والنُّثارُ بالضم: ما تناثر من الشيء".

<<  <  ج: ص:  >  >>