للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الكناية فمعلومٌ أن النصوص الشرعية من الكتاب أو السُّنَّة كثيرًا ما تُكَنِّى في مثل هذه المواطن، كقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣]، وكقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" (١)، فإنه يُكَنِّي عن مثل هذه الأمور التي ربما اسْتَحَى الإنسان من ذِكْرِهَا.

ويدلُّ عليه استحياء عَلِيِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - من سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن غسل الذَّكَر من المذي لمكانة ابنته منه، ولذلك أَرْسَلَ المقدادَ - رضي الله عنه - يسأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

ولكننا نقول: إن الإنسان لا ينبغي أن يكون الحياء مانعًا له عن السؤال في أمور دينه، كما كان حال المرأة التي سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن غُسل المرأة إذا احتلمَت، وقَدَّمَتْ لسؤالها بقولها: "إن الله لا يستحي من الحق" (٣).

كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن الإنسان ينبغي ألا يُفتِي بغير عِلمٍ، ولذلك عندما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ وأصيب رجلٌ بجرحٍ، واستفتاهم في التيمم، أجابوه بعدم جواز التيمم، فاغتسل فمات، ولما بَلَغَ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْكَرَ عليهم وَبَيَّنَ أنه كان ينبغي أن يسألوا عَمَّا لَمْ يَعْلَمُوه (٤).


(١) أخرجه البخاري (٢٦٣٩)، ومسلم (١٤٣٣).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٢)، ومسلم (٣٠٣) عن محمد ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب، قال: كنت رجلًا مذّاء فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: "فيه الوضوء".
(٣) أخرجه البخاري (١٣٠)، ومسلم (٣١٣) عن زينب ابنة أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: جاءت أم سُليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأت الماء" فغطتأ أمّ سلمة، - تعني: وجهها - وقالت: يا رسول الله أو تحتلم المرأة؟ قال: "نعم، تربت يمينك، فبِمَ يشبهها ولدها".
(٤) أخرجه أبو داود (٣٣٦) عن عطاء، عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا =

<<  <  ج: ص:  >  >>