فَالحَيْضُ: يَمْنَعُ فِعْلَ الصَّوْمِ، لَا قَضَاءَهُ، فَقَضاء الحائض للصوم واجبٌ ومتعيِّن؛ كما ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها- السابق.
قوله: (وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الثَّابِتِ أَنَّهَا قَالَتْ: "كنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ"(١)، وإنَّمَا قَالَ بِوُجُوبِ القَضاءِ عَلَيْهَا طَائِفَة مِنَ الخَوَارج!). يشير المؤلف -رَحِمَه اللهُ- هنا إلى قَضيَّةٍ مُهَمةٍ: وَهي مَا يتعلَّق بإنكار فِئَةٍ من الخوارج بعض أحاديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، ولعلَّكم تَذْكرون أنَّنَا تكلمنا في أوَّل حديثنا عن أحكام الحيض عن الأمور التي يمنعها الحيض، أو يمنع الحيض القيام بها، ومنها ما تعلَّق أيضًا بقَضَاء الصوم والصلاة، وتَذْكرون حديث معاذة العدوية عندما سألت عائشة -رضي الله عنها-: "ما بَال الحَائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟! فقالت لها عائشة -رضي الله عنها-: أحرورية أنتِ؟! "، فردَّت عليها، فقالت:"لَسْت بحرورَّية؛ وَلَكنني أسأل؟ "، فأَجَابتها عائشة بقَوْلها:"كنَّا نحيض على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
وَسَبق أن عَلَّقنا بإيجازٍ على قولها:"أحرورية؟ "، وبينَّا أن هذه إشَارة إلى طَائِفَةٍ من الخوارج نزلوا حروراء، وهؤلاء الخوارج هُمُ الذين خرجوا أيام عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وإنْ كانت أصولُهُم ممتدةً قبل ذلك، وهم- بلا شكٍّ - قد خرجوا على المسلمين، وشَقُّوا عصا الطاعة، وقد أدَّى ذلك إلى تفرق كلمة المسلمين في ذلك الوقت، فقَدْ شغلوا الدولة الإسلامية عن الفُتُوحات، وامتداد رقعة البلاد بانشغالها بقتالهم.
وسَببُ وُقُوعهم في ذلك: تعمقهم في الدِّين، وغلوهم في فهمه
(١) أخرجه مسلم (٣٣٥/ ٦٩) عن معاذة، قالت: سألت عائشة فقُلْتُ: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: "كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة".