للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتطبيقه، بل وَصَل بهم الأمر أن كفروا بعض أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، وكَانَ فيهم من الشجاعة والمغامرة حتى تكنى أحدهم بأبي حمزة الخارجي!

وكان فيهم أيضًا الخطباء: بل وجدنا فيهم الخطيب المصقَّع (١)!

وَكَانَ أحدُهُم يخطب فيقول: "أتُعَيرونني بأَصْحَابي؟ وتزعمون أنهم شباب؟ وهل كان أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلا شبابًا؟! شبابٌ -واللّه- مكتهلون في شبابهم، غضيضةٌ عن الطرف أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة، وأطلاح سهر" (٢).

فالإنسانُ إذا سَمعهم، قَدْ يتأثر بكلامهم، فلهم عباراتٌ تأخُذُ بالأَلْبَاب، وتَسْتولي على مَجَامع القُلُوب، ولكن قَدْ أخْبَرنا رَسُولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْهم بقَوْله: "يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ! " (٣)، وقال أيضًا: "تَحْقِرُونَ صَلَاتكمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ" (٤).

ويَكْفي في ذمِّهم أنه ينطبق علَيهم قول اللّه -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: ١١٥]، فلقَدْ سَنُّوا سُنَّةً تأثَّر بها أناسٌ جَاؤُوا بَعْدهم؛ فَعَليهم -بلا شكٍّ- وزرها، ووزر مَنْ جاء بعد ذلك ممَّن عمل بها بعدهم.

والخوارج: طوائف، وهم مختلفون بالنسبة للغلو، فمنهم من تجاوز كل حدٍّ، ومنهم من يقرب من ذلك، ومنهم من دون ذلك، لكنهم كلهم - بلا شكّ- من حيث الجملة قَدْ خَرَجوا عن الطريق السوي، وتَخَطَّوا


(١) "خطيب مصقع": بليغ. انظر: "العين" للخليل (١/ ١٢٩).
(٢) يُنظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (٤/ ٣٨٤، ٣٨٥).
(٣) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري (٤٣٥١)، ومسلم (١٠٦٤/ ١٤٤)، عَنْ أبي سعيدٍ.
(٤) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٤/ ١٤٧)، عَنْ أبي سعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>