للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجادة، ولم يتبعوا قول اللّه -سبحانه وتعالى-: { … فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤)} [طه: ١٢٣، ١٢٤].

وَلَا شكَّ أنَّ تلكَ الحُرُوب الَّتي قاموا بها، وتلكم النَّعرات التي انتشرت في وقتهم قَدْ شَغَلت الدولة الإسلامية عن أمرٍ جللٍ؛ ألا وهو الاشتغال بامتداد الدولة الإسلامية في نشر عَقيدَة التوحيد، وفي بيانها للناس، فبدل أن ينشغلَ المسلمون بدعوة غير المسلمين إلى دين اللّه، انشغلوا بقتال أولئك.

وَقَد امتدوا فَتْرةً من الزَّمن؛ لكنَّهم بعد ذَلكَ ضعفوا، ولا يزال لهم أثرٌ (١)، فَمِنْهُمُ الأزارقة، ومنهم الصفَرِيَّة، وأقلهم ما يعرفون بالإباضية؛ فهؤلاء هم أقْرَبهم إلى أهل السُّنَّة والجماعة بخلاف أولئك، فَلَا يناكحون أهل السُّنة والجماعة؛ بل يُنَابذونهم ويخالفونهم.

ومَنْهجُهُم معروف، وعقيدتُهُم في ذلك فاسدةٌ، وكلُّ الذي دَعَاهم إلى ذلك أنهم تنطَّعوا وتعمَّقوا في الدّين مع أن الدِّينَ يسرٌ، فقَدْ قَال رَسُول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ أَحَد إِلَّا غَلَبَهُ" (٢)، وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: "بَشّروا، ولا تنفروا" (٣).

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ ما لم يكن إثمًا (٤)،


(١) ذكر الملطي في "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع" (ص ١٧٨) أن الحرورية خمس وعشرون فرقة.
(٢) أخرجه البخاري (٣٩)، وغيره عَنْ أَبي هُرَيرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الدِّينَ يسرٌ، ولن يشاد الدِّين أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة".
(٣) أخرجه البخاري (٦٩) وغيره عن أنس بن مالكٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا، ولا تنفّروا".
(٤) أخرجه البخاري (٦٧٨٦)، ومسلم (٢٣٢٧/ ٧٧) عن عائشة، قالت: "ما خير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما=

<<  <  ج: ص:  >  >>