للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شك في ذلك فلا تُزال ولا تُزهق الأرواح إِلَّا ببينةٍ واضحةٍ.

(وَمِنَ الْوَاجِبِ أَلَّا تُخَصَّصَ هَذه الْقَاعِدَةُ بِالاسْمِ الْمُشْتَرَكِ).

والاسم المشترك كلمة العذاب، {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}، فهل العذاب هو الحد؟ كما أخذ به بعض العلماء، أو أن المراد به غير ذلك كالحبس مثلًا ونحو ذلك؟ إذًا: الاحتمال قائم حتى وإن كان الأظهر أنه ينصرف إلى الحد، لكن قام الاحتمال الآخر (وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال) فهذه شبهة فكيف تذهب نفس لوجود شبهة؟

قال: (فَأَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذه الْمَسْأَلَةِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) (١).

لأن حقن دمها أقرب إلى مأخذ الشريعة فَدَرْءُ الحدِّ عنها أقرب إلى مأخذ الشريعة، فالشريعة لا تأخذ في مثل هذه الأمور بالشُّبَهِ، وإنما تأخذ بالبَيِّناتِ الواضحة.

فيرى أن المذهب المخالف لمذهبه هو أقرب إلى روح الشريعة وإلى لُبِّها.

(وَقَدِ اعْتَرَفَ أَبُو الْمَعَالِي فِي كتَابِهِ الْبُرْهَانِ (٢) بِقُوَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذه الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ شَافِعِيٌّ).

أي أنَّ أبا المعالي شافعيٌّ معروفٌ من أئمة الشافعية، وأبوه كذلك أيضًا لكن أولئك العلماء الأعلام إذا تبيَّن لهم الحقُّ لا يأخذهم التعصُّب لمذهب ولا الوقوف عند هذا المذهب الذي ترعرع فيه ونشأ وحفظ، ما


(١) يُنظر: "التجريد" للقدوري (١٠/ ٥١٦٤) حيث يقول: "إن العذاب المعرف لو رجع إلى الحد الذي ظنوه لقال: ويدرأ عنهما عذابهما، لأن التعريف إذا رجع إلى ما تقدم صار المتقدم كالمذكور، ونحن نعلم أن حد الزَّانِيَيْن لا يجوز أن يجب عليهما، فبطل أن يرجع العذاب إلى المعرف".
(٢) يُنظر: "البرهان في أصول الفقه" للجويني (٢/ ٢١٦) حيث يقول: "إنا لا نجد بُدًّا من الخروج عن قانون الحجج فالاستمساك بظاهر القرآن العظيم أقرب وحمل العذاب على الجنس بعيد، وبالجملة نفي إيجاب الحد وتغليب حقن دمها أقرب عندي إلى مأخذ الشريعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>