للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دام يرى أن الحقَّ في غيرِهِ، وهنا ليست المسألة جَلِيَّة بالنسبة لمخالف ومع ذلك أخذ بها إمامُ الحرمين، لأنه رأى أنه في هذا القول حفظ للدماء، وبما أن الشريعةَ حريصةٌ على حفظ أموال الناس ودمائهم كما ورد في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع قوله: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا … " (١)، لكن لا شك أن حُجَّةَ الفريق الآخر من حيث أن المراد بالعذاب إقامة الحد لكن الشبهة قائمة، والشبهة يُدْرَأُ بها الحدّ، وهذا ماعزٌ لما جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعترف بالزِّنا فانصرف عنه - صلى الله عليه وسلم - وانتقل إلى جهة أخرى، وهو يقول: "لعلك قبَّلت، لعلك فاخَذْتَ"، ثم يسأل عنه "أبه جنون!! أبه بأس!! " ثم يتعمق معه فيما عمل وفي غيره من القضايا، هذا هو منهج الإسلام في مثل هذه الأمور.

إذًا رأى إمام الحرمين أنه الأحوط في ذلك فرأى أن هذا أقرب إلى مأخذ الشريعة ولُبِّها.

(وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ إِنْ كَانَ نَفَى وَلَدًا (٢)).

هذا مما ليس فيه خلاف بين العلماء، ولكنَّهم اختلفوا في النُّكول، أما هنا فإنه أكذب نفسه لأنه افترى على هذه المرأة وقذفها وأساء إليها وإلى سمعتها ورماها بفاحشة عظيمة فينبغي أن يأدب على ذلك، وإن كان زوجًا، فينبغي أن يَرْعى تلك العلاقة التي نظمها الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وأقامها بين الزوجين فقال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١].

لكنه نسي ذلك أو تناساه فأساءَ إلى سُمْعتها وإلى سمعةِ أهلها، وربما يتردَّد الناس في الكلام فيها، وإذا كان من الناس من يقول أمورًا لا تقع، فما بالكم والرامي إنما هو الزوج، وهذه قصة عائشة وأهل الإفك وكيف افتروا ذلك وأن المنافقين استَغَلُّوا ذلك وسَرَوا في ذلك الأمر ونشَرُوه كما


(١) سبق تخريجه.
(٢) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (٢/ ٦٩) حيث يقول: "وإن أكذب نفسه حُدَّ ولحقه الولد ولم يتراجعا، وهي السُّنَّةُ التي لا خلاف فيها".

<<  <  ج: ص:  >  >>