للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسري النار في الهشيم، لكن اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فضحهم في كتابه العزيز.

(وَاخْتَلَفُوا: هَلْ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا بَعْدَ اتِّفَاقِ جُمْهُورِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تجِبُ بِاللِّعَان، إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِحُكْمِ حَاكلمٍ عَلَى مَا نَقُولُهُ بَعْدُ (١)، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَدَاوُد، وَأَحْمَد، وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: إِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ (٢)).

لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما وقال: "لا سبيل لكَ عليها، وحِسَابكما على اللّه" (٣). ولا شك من أن الذي سيحاسبه هو اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فهو الذي سيحاسب كل إنسان على عمله إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وبيَّنَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أن أحدَهُما كاذبٌ؛ لأنه لا يمكن أن يكون كلاهما صادقًا، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب، وإنما يعلم ما ينزل عليه من اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بواسطة جبريل، ففرق بينهما في هذا المقام.

(وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (٤)، وَجَمَاعَةٌ (٥): إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ، وَكَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ).


(١) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (٢/ ٦٩) حيث يقول: "وأجمعوا أن المتلاعنين لا يقيمان زوجين، ولكن يقع الطلاق إما باللعان وإما بتفريق القاضي بعده، على ما يختلف الفقهاء في ذلك، إِلَّا عثمان بن سليمان البتي فإنه قال: هُما على النكاح، ولا يعمل فيه اللعان فرقة ولا تفريق القاضي".
(٢) يُنظر: "الإشراف" لابن المنذر (٥/ ٣٣٤) حيث يقول: "وجاءت الأخبار عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب بأن المتلاعنين لا يجتمعان أبدًا، وبه قال الحسن البصري، وعطاء، والزهري، والنخعي، والحكم، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والأوزاعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، ويعقوب". وانظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (٢/ ٦٩).
(٣) أخرجه البخاري (٥٣١٢)، ومسلم (١٤٩٣) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٤) يُنظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتي (٤/ ٢٨٨) حيث يقول: " (وهو خاطب إذا أكذب نفسه) عندهما. وقال أبو يوسف: هو تحريم مؤبد".
(٥) يُنظر: "الإشراف" لابن المنذر (٥/ ٣٣٤) حيث يقول: "وفيه قول ثان: وهو أنه إذا أكذب نفسه جلد الحد، وكان خاطبًا من الخطاب، هذا قول ابن المسيب، والنعمان".

<<  <  ج: ص:  >  >>