للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلماذا التقى العلماء حول هذا الرأي؟ لما كان هناك من وفاء هذه المرأة؛ فإنها تُصاب باللوعة وبالأسى ويقطر قلبها حزنًا وألمًا على مُفارقة زوجها وغالبًا ما يكون هذا لأولاده وليس هذا من الأمور السهلة؛ لأن هذا الرجل ظل سنين يرعاها، ويحافظ عليها، ويقوم على شؤونها، ويتولى تربية الأولاد والإنفاق عليهم.

وهذه المرأة المظاهرة لما ذهبت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقالت: "إن لي منه صبية، إن تركتهم عنده ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا" (١)، فهذه القصة يقطر لها القلب حزنًا وألمًا، واللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قد استجاب لشكواها من فوق سبع سماوات، وقد وقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستمع إليها.

فبالنسبة للمتوفى عنها زوجها هناك وفاء بين الزوجين، ومن أجلِّ الصفاتِ وأعظمِها: صفة الوفاء فهناك وفاء بين الابن وأبيه، وبين الإخوة، وبين الأصدقاء، وكذلك بين الزوجين، وهو من الفضل الذي قال اللّه فيه: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: ٢٣٧]. وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩].

فهذه علاقة عظيمة دامت فترةٌ من الزمن، ولذلك في قصة أسماء زوجة جعفر بن أبي طالب أرسلت إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - تطلب منه أن يأذن: أن تبكي على زوجها وقلبها ينبح أسى ولوعة حزن وحسرة تريد أن تنفس عن نفسها؛ لكنها مؤمنةٌ تقيةٌ نقيةٌ فاستأذنت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فبعد ثلاث ليال أرسل إليها يأمرها بأن تكتحل وأن تتطهر، وهذا سيكون حجة للذين


= حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد إلى أن المطلقة ثلاثًا عليها الإحداد".
وقول الشافعية، يُنظر: "بحر المذهب" للروياني (١١/ ٣٣٨) حيث قال: "ويستحب لها؛ لأن الشافعي قال: أستحب لها ذلك ولا يتبين أن أوجبه عليها".
ورواية الإمام أحمد، يُنظر: "عمدة الحازم" لابن قدامة (ص: ٥٢٢) حيث قال: "ولا إحداد في غير عدة الوفاة إِلَّا على البائن من نكاح صحيح على إحدى الروايتين".
(١) ذكر تلك الرواية الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" (٥/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>