للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الأَصْنَافِ المَذْكورَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ مِنْهَا عَدَدًا، عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّنبِيهَ عَلَى مَا فِي مَعْنَاه، وَهِيَ كلُّهَا يَجْمَعُهَا الاقْتِيَاتُ وَالادِّخَارُ.

أَمَّا البُرُّ وَالشَّعِير، فَنَبَّهَ بِهِمَا عَلَى أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ، وَنَبَّهَ بِالتَّمْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ كَالسَّكَرِ، وَالْعَسَلِ، وَالزَّبِيب، وَنَبَّهَ بِالمِلْحِ عَلَى جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لإِصْلَاحِ الطَّعَامِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ مَعْقُولُ المَعْنَى فِي الرِّبَا إِنَّمَا هُوَ أَلَّا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا، وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ).

لا شكَّ أن الأقوات هي أصول المعايش كما ذكر المؤلف والمالكية (١)، فإن الناس لا يستغنون عن القُوت، ولو يمتنع الإنسان عن الأَكْل يهلك، ولو وجد الأكل وتركه فمات يَأثم، وقد أبَاح اللّه عز وجل للمضطر أكل الميتة، قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣].

قوله: (وَأَمَّا الْحَنَفِيَّة، فَعُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِبَارِ المَكيلِ وَالمَوْزُون أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا عَلَّقَ التَّحْلِيلَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ، وَاتِّفَاقِ القَدْرِ، وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاخْتِلَافِ القَدْرِ فِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَامِلِهِ بِخَيْبَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ: "إِلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ، يَدًا بِيَدٍ" (٢)).


(١) مذهب المالكية: "الشرح الكبير وحاشية الدسوقي" للدردير (٣/ ٤٧) قال: "يكون غالبًا استعماله اقتيات الآدمي … وهو المعول عليه والمشهور من المذهب".
(٢) مذهب الحنفية: "مختصر القدوري" (ص ٨٧) قال: "كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه متفاضلًا، فالعلة فيه الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس، فإذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه مثلًا بمثلٍ، جاز البيع وإن تَفاضلَا لم يجز".

<<  <  ج: ص:  >  >>