للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكِيلٌ، وَالآخَر مَوْزُونٌ) (١).

أبو حنيفة يرى أن العلةَ تغيرُ الأمرين، فالأصلُ في القمح أن يكون مكيلًا، ولو قلتم: إنَّ الدقيقَ لم يتغير بطحنه، فلماذا لجأتم وأخذتم بالوزن مع أن الأصل فيه الكيل؟ ومَلْحظ الإمام مالك ومَنْ وافقه أنه يجوز التبادل بين الوزن والكيل.

قَوله: (وَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ الكَيْلَ أَوِ الوَزْنَ فِيمَا جَرَتِ العَادَةُ أَنْ يُكَالَ، أَوْ يُوزَنَ، وَالعَدَدُ فِيمَا لَا يُكَال، وَلَا يُوزَنُ) (٢).

إذًا، هناك أمر اصطلح على أن الأصل فيه الكيل، وأمر مقياس وأصله الوزن، وهناك أمور تُعدّ، وهذه التي تعدُّ أيضًا تُوزَن الآن، وربما تُباع جملةً كالبرتقال والليمون.

قَوْله: (وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا البَابِ فِيمَا تَدْخُلُهُ الصَّنْعَةُ)، وهذا


(١) وهذا المعيار ثابت معول عليه عند الحنفية كما يقول في "المحيط البرهاني" لابن مازة (٧/ ٧٥): "وما ثبت وزنه بالنص لا يجوز بيعه بجنسه كيلًا كالدراهم بالدراهم كيلًا إلا رواية شاذة عن أبي يُوسُف رحمه اللهُ قال: يجوز إذا اعتاد الناس ذلك"، إلا أن علة الحنفية في منع بيع الدقيق بالقمح ليس أن أحدهما مكيل والآخر موزون، ولكن لأن الكيل - الذي هو معيار كل منهما - لا يسوي بينهما.
قال في "العناية شرح الهداية" (٧/ ٢٣): "ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق"؛ لأن المجانسة باقية من وجه؛ لأنهما من أجزاء الحنطة، والمعيار فيهما الكيل، لكن الكيل غير مسوٍّ بينهما وبين الحنطة لاكتنازهما فيه، وتخلخل حبات الحنطة، فلا يجوز وإن كان كيلًا بكيل".
(٢) يُنظر: "الفواكه الدواني" للنفراوي (٢/ ٧٤) حيث قال: "وتعتبر المماثلة بالمعيار الشرعي من كيلٍ أو وزنٍ أو عددٍ إن وُجِدَ معيار شرعي، وإلا فالمعيار لأهل محل البيع، فإن جرت العادة عندهم بأمرين اعتبر الغالب، والا اعتبر أحدهما، وَإنْ لم تجر العادة فيما يوزن بشيءٍ، وَجَب المصير إلى التحرِّي إنْ أمكن، وأما نحو المكيل والمعدود، فلَا يحصل فيهما تعذرٌ، والى هذا كله الإشارة بقول خليل: واعتبرت المماثلة بمعيار الشرع وإلا فبالعادة، فإن عسر الوزن، جاز التحري عند إمكانه وإلا امتنع، ويجب اعتبار الوزن".

<<  <  ج: ص:  >  >>