لَيْس في ذَلكَ قَانون، كلمة "قانون" مفرد "قوانين"، وهي كلمة معربة، أيْ: أنها لم تكن في أصل الوضع في اللغة العربية، ولكنها نُملَت من لغة إلى لغة فعربت، فأصبحت تدلُّ على شيء، وهو المقياس من كل شيء، فنقول: قانون الكيل مثلًا هو الصاع، قانون الوزن هو الميزان، هذا أصل نرجع إليه، فالقانون هو أمر كلي منطبق على جميع جزئياته، وهذا التعريف هو تعريف القاعدة عندنا فقهًا، فنحن نقول في القاعدة:"حكم كلي ينطبق على جزئياته"، ولكن لما كانت القاعدة الفقهية خاصةً قد تنخرم في كثيرٍ من الأمور، فقال عنها بعض الفقهاء: أمر كلي. وبعضهم قال عنها: حكم كلي، فقالوا: حكم كلي منطبق على جزئياته أو معظمها لتعرف أحكامه منه، لكننا لو رجعنا إلى قوانين النحو نجد أنها منضبطة تمامًا، فنقول مثلًا: الفاعل: اسم مرفوع. الخبر: هو الجزء المتمم للفائدة.
مُرَادُهُ: أنه لم ينقل عن الإمام مالك أصل يرجع إليه في هذ الفروع الكثيرة المتعلقة بأحكام الربا، كأنه يقول: إنَّ الإمام مالكًا رحمه الله لم يضع أصلًا وضابطًا وقانونًا يَرْجع إليه الفقهاء بعده الذين أخذوا بأصوله، وتتبعوا علل أحكامه فخرجوا عليها فقالوا: ليس هناك أصل يرجع إليه فيه في هذه المسائل.
وَنحن نعلم أن الأئمة رحمهم اللّه كانوا يقولون: المسائل مرسلة، ومعنى مرسلة: مطلقة، أحدهم يفتي بحكمٍ، يتكلم في مسألةٍ فيبين الحكمَ فيها، وربما تتعدد أقواله، وتلاميذ هؤلاء الأئمة حفظوا أقوالهم، فبعضهم دوَّنها كما نجد في الإمام مالك بالنسبة إلى "المدونة" المعروفة؛ فتجد رواية سحنون عن ابن القاسم، وتجد كذلك أن محمد بن الحسن دَوَّن فقه الإمام أبي حنيفة، والشافعي أيضًا دوَّن كثيرًا من فقهه بنفسه بكتاب "الأم" وكتاب "الرسالة"، وبعض فقهه دوَّنه أصحابه، ثمَّ جاء بعد ذلك تلاميذ التلاميذ، وَوَجدوا أن الفقهَ قد توسع، فأصولُهُ ثابتَة، لكن فروعه بدأت تمتدّ، ولما توسعت الفتوحات الإسلامية وانتشرت واتسعت الدولة الإسلامية، وقف المسلمون على عادات وتقاليد لم تكن معروفةً، فاحتاجت إلى أن تقرر في أحكامه.