للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا، هؤلاء تلاميذ التلاميذ لما جاؤوا إلى هذه الثروة العظيمة، وهذا الكنز الكبير الذي خلَّفه الأئمة، والذي يحتاج إلى ضبطٍ، أخذوا يبحثون عن أدلة المسائل، وأقاموا الأدلة على المسائل، ثم بعد ذلك وجدوا أن المسائل تجدّ، والحوادث تقع، فوجدوا أن خير سبيل للوصول إلى ذلك أن تُعْرف علل الأحكام التي بها وَضَع الأئمة هذا الفقه، والعلل هي التي كان يعلل بها الأئمةُ تلك الأحكامَ، لما وقفوا على تلك الأحكام التي كانت هي الأسس التي يرجع إليها الأئمة حِينَئذٍ، بدأوا يخرجون على أصول الأئمة، ولذلك يقول: هذه مسائل مخرجة؛ أي: أنها ليست من قول الإمام، لكنها خرجت على أصوله بعد أن عُرفَت التعليلات التي كان يعتمد عليها الإمام في تقرير الأحكام وتثبيتها.

قوله: (وَقَدْ رَامَ حَصْرَهَا البَاجِيُّ فِي "المُنْتَقَى") (١).


(١) قال الباجي في "المنتقى" (٥/ ٤): "وأما تغير الجنس بالصناعة فعلى ضربين:
أحدُهُما: صناعة تخرج المصنوع عن جنس أصله.
وَالثَّانِي: صناعة تجمع بينه وبين ما ليس من أصله، فأما الأول فإنه على قسمين: قسم يكون بالنار، وقسم بغير نار، فأما ما يكون بالنار فإنه على وجهين:
أَحدُهُما: أن تنفرد الصناعة بتأثير النار دون إضافة شيء إليه، فما كان منه لا ينقص عبرة المصنوع فيما جرت عادته أن يعبر به من كيل أو وزن كقلي الحنطة والحمص والفول، وسائر ما يقلى من الحبوب، فإنها لا ينقص كيل المغلي، وهو مما يعبر به، فهذا يغير الجنس؛ لأن عمل النار كالأمر الثابت فيه، والمعنى المضاف إليه بخلاف شي اللحم وطبخه فإنه ينقص من عين المشوي على وجه التخفيف، وإذهاب أجزاء رطوبته كتزبيب العنب، وتيبيس التمر والتين، فلا تغير الجنس.
والوجه الثاني: أن تكون الصناعة بالنار يقترن بها ما تتم الصناعة به من ملح وإبزار وزيت وخل ومرق، وغير ذلك مما انضاف إليه منه ما تكون النهاية المعتادة من عمله، وسمي صناعة كالأبزار والمرقة في طبخ اللحم، والماء والملح في الخبز، فهذا يغير الجنس لمعنى واحدٍ، وهو تغييره بالنار، وبما يضاف إليه في الأغلب من نهاية عمله، فأما الخبز فلوجهين:
أحدهما: أن الماء والملح هو النهاية من عمله في الأغلب.
وَالوَجْه الثَّانِي: أن النار لا تؤثر فيه نقصًا من وزنه دقيقًا، وأما طبخ اللحم بالماء=

<<  <  ج: ص:  >  >>