للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقالوا أيضًا: يقول اللّه تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩]، وهذا البيع حَصل فيه التراضي، فَصَح العقد.

أما مِنَ السُّنَّة، فاستدلوا بحديث أبي سعيدٍ (١) وحديث عبادة، وكلاهما تقدم، وحديث عبادة بن الصامت، قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذه الأَصْنَاف، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" (٢).

يقول الأحناف رحمهم اللّه: بيع الرطب باليابس لا يخلو إما أن يكون مماثلًا، فيكون داخلًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ"، وإما أن يكون غير مماثلٍ، فيدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَاف، فَبِيعُوا كيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَان يَدًا بِيَدٍ".

إذًا، هم أَخَذوا بعموم هذه الأدلة، وجمهور العلماء يَرَون أنَّ حديث سعد بن أبي وقاص مُخَصِّصٌ لما يعارضه من أدلةٍ عامةٍ، والخاصُّ يُقَدَّم على العامِّ، فصار نصًّا في المسألة، فتَرجَّح العمل به (٣).

قوله: (وَقَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ عَلَى حَالِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا).

وكذا أحمد رحمهم اللّه.

قوله: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ، وَأَبُو يُوسُفَ).


(١) أخرجه البخاري (٢١٧٦)، ومسلم (١٥٨٤)، ولفظه: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمِثْلٍ، ولا تشفوا بعضها على بعضٍ، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلا مثلًا بمثلٍ، ولا تشفوا بعضها على بعضٍ، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجزٍ".
(٢) أخرجه مسلم (١٥٨٧).
(٣) للوقوف على أدلة الأحناف، "بدائع الصنائع" للكاساني (٥/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>