للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ).

فلَوْ أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك فقط لكان أخفَّ، لكنه وجَّهَ سؤالًا لمَنْ حوله ليَسْترعي انتباههم، ويوقظ أذهانهم وأفكارهم: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، لا كما جاء في الرواية الأخرى: "نَسِيئَة" (١)؛ لأن علة النهي لنقصان الرطب بجفافه، فتتحقق المفاضلة حينئذٍ، وقد نهى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ (٢).

قَوْله: (فَأَخَذَ بِهِ أكْثَرُ العُلَمَاءِ).

فأخذ بهذا القول أكثر العلماء، منهم: مالك والشافعي وأحمد (٣)، استدلالًا بهذا الحديث، لكن ما دليل الأحناف الذين يجيزون بيع الرُّطَب بالتمر ونحو ذلك مما اختلفت فيه الرطوبة واليبس؟

الجواب: أنَّ أبا حنيفة رحمه الله خالف الجمهور، وخالفه صاحباه محمد وأبو يوسف (٤)، ووافقه الطحاوي (٥) في هذا استنادًا على أدلةٍ عامةٍ ليست نصًّا في المسألة، منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، قالوا: هذا بيعٌ أحله اللّه سبحانه وتعالى، فلا مانعَ مِنْ بيع الرَّطِب باليابس.


(١) أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (١٥/ ٤٧٤) عن سعد بن أبي وقاص من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع التمر بالرطب نسيئةً، فقد جاء الأمر فيها على صورة الخبر.
(٢) أخرجه البخاري (٢٨٥٦)، ومسلم (٤٩).
(٣) سبق توثيق أقوالهم.
(٤) "الأصل" المعروف "بالمبسوط" لمحمد بن الحسن الشيباني (٥/ ٥٨)، و"مختلف الرواية"، للسمرقندي في اختلاف قول أبي حنيفة مع صاحبيه (٣/ ١٤٣٤).
(٥) "شرح معاني الآثار" (٤/ ٦)، قال: "وهذا قول أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه، وهو النظر عندنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>