للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذريعة هي الوسيلة إلى الشيء؛ أيْ: الطريق الذي يوصلك إلى شيءٍ، وهذه الوسيلة قد توصلك إلى الحلال، فتكون حلالًا؛ لأنها تأخذ حكم المقصد، وربما تكون هذه الوسيلة غايةً إلى الوصول إلى الحرام، فتكون تلك الذريعة حرامًا.

ولذلك قال العلماء: الوسائل تأخذ حكم المقاصد (١)، والعلماء وضعوا قاعدةً أصوليةً معروفةً تُعْرف بقاعدة: "سد الذرائع" (٢)، وقد أكثر العلماء المالكية من الأخذ بها، وغيرهم من العلماء (٣)، فَسَدُّ الذرائع هو مَنْع ما يُفْضي إلى الوقوع به في الحرام، إذ كل ما يوصل المرء إلى الوقوع في الحرام فإنه حرام؛ هذا معنى سد الذرائع.

ولقد خرَّج العلماء على هذه القاعدة أنواعًا كثيرة، إذ نجد أن الشارع الحكيم نَهَى عن بيع الربويات بعضها إلى بعض؛ أيْ: عن بيع الربويات بربويٍّ آخر عن طريق الخرص أو التخمين أو الظن بتقديرهما وتقدير


(١) قال الشاطبي في "الموافقات" (٢/ ٣٥٣): "وقد تقرر أن الوسائل من حيث هي وسائل غير مقصودة لأنفسها، وإنما هي تبع للمقاصد بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل، وبحيث لو توصل إلى المقاصد دونها لم يتوسل بها، وبحيث لو فرضنا عدم المقاصد جملةً، لم يكن للوسائل اعتبارٌ".
(٢) قال القرافي في "الفروق" (٢/ ٣٢): "يقولون: سد الذرائع، ومعناه: حسم مادة وسائل الفساد دفعًا لها، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة، منع مالك من ذلك الفعل في كثير من الصور".
(٣) قال القرافي في "شرح تنقيح الفصول" (ص ٤٤٨): "ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار العوائد والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع وليس كذلك …
أما الذرائع فقد اجتمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام:
أحدها: معتبر إجماعًا كحفر الآبار في طرق المسلمين، وإلقاء السم في أطعمتهم، وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى حينئذٍ.
وثانيها: ملغى إجماعًا؛ كزراعة العنب، فإنه لا يمنع خشية الخمر، والشركة في سكنى الدار خشية الزنا.
وثالثها: مختلف فيه كبيوع الآجال، اعتبرنا نحن الذريعة فيها، وخالفنا غيرنا، فحاصل القضية أنا قلنا: تفسد الذرائع أكثر من غيرنا لا أنها خاصة بنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>