للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما؛ لأن الظن لا يغني من الحق شيئًا؛ ولأن الخرص لا يمكن أن تتقرر به الأحكام.

ولذلك، عندما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر، لم يعطِ الإجابة سريعًا، وإنما سأل مَنْ حوله: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبسَ؟ " (١)، قالوا: نعم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم ذلك الحكمَ كما مر؛ يعلم بأَن الرطب إذا يبس فإنه ينقص، ولكنَّه سأل عن ذلك؛ ليقرر الحكمَ في أذهان المستمعين، وليبين أن العلَّة في التحريم إنما هي هذا الوصف الموجود له، وهو النقص، فإذا جَفَّ الرطب، اختلف أمره، فأصبح غير متوازنٍ مع التمر، كذلك نجد أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما نزل قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: ٢٧٥]، قَالَ: "مَنْ لَمْ يَذَرِ المُخَابَرَةَ، فَلْيَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ" (٢).

"المُخَابرَة"، هِيَ: المُزَارعة؛ وهو أن يأخذَ الإنسانُ الأرضَ بجزءٍ مما يخرج منها (٣)، وقبل أن ندخل في تفصيل ذلك، ربما يستشكل على الإخوة أن المُزَارعة هي من الأحكام المعروفة، لكن الصحيح أن فيها خلافًا، فهناك مَنْ يقول: إن المزارعة لا تجوز بخلاف المساقاة (٤)، إذ القصد هنا وجود الجهالة في هذا الأمر؛ "مَنْ لَمْ يَذَرِ المُخَابَرَةَ، فَلْيَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ" (٥) وذلك؛ لوجود الجهالة في الأمر.

كَذَلك نجد أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة؛ وهو أن يشتري


(١) أخرجه ابن ماجه (٢٢٦٤)، وصَحَّحه ابن الملقن في "البدر المنير" (٦/ ٤٨٢) والأَلْبَانيُ في "الإرواء" (١٣٥٢).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٤٠٦) وضَعَّفه الأَلْبَانيُّ في "السلسلة الضعيفة" (٢/ ٤١٧).
(٣) يُنظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٧١٢).
(٤) وهو قول أبي حنيفة، قال في "الاختيار لتعليل المختار" (٣/ ٧٤): "وهي جائزة عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة هي فاسدة".
(٥) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>