للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشافعي (١)، وهو المشهور عن أحمد (٢)، وعدوا هذه المسألة نوعًا من أنواع الربا، وأنها من الذرائع التي يتوصل بها إلى الربا، ولهم دليلان؛ دليل من المنقول وآخر من المعقول، ونقصد دائمًا بالمنقول ما يأتي في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، أو في سُنَّةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو فيهما معًا، ونقصد بالمعقول ما يكون دليله العقل أي: القياس، فالذين قالوا: إنَّ ذلك لا يجوز، استدلوا بآثارٍ وَرَدتْ عن الصحابة؛ ورد أثر عن المقداد بن الأسود أنه قال: أسلفتُ رجلًا مائة دينار إلى أجلِ، فقلت له: عَجِّل لي تسعين دينارًا وأضع عنك عشرةً، فَسَألتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَكَلَتْ رِبًا مِقْدَادُ وَأَطْعَمْتَهُ" (٣)، يعني يا مقداد، لأن حرف النداء هنا محذوفٌ، "أكلت ربًا يا مقداد وأطعمته"، يعني؛ أطعمته الطرف الآخر الذي وضعتَ عنه هذا المبلغ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - سماه ربًا.

إذًا، هذا الأثر - كمَا تَرَون - صريحٌ في منع مسألة: ضَعْ وتَعجَّل؛ لأنه نص فيها، والصحابة - بل السلف عمومًا، بل كل مؤمن - عنده ورع وخشية من الله سبحانه وتعالى، لا يقدم على أمرٍ إلا وقد عرف الحق فيه.

ولكن السؤال هنا: هل هذا الأثر صحيح أم لا؟

هذا الأثر أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" وضعَّفَه (٤)، إذًا هو ضعيف، وأنتم تعلمون بأن الحديث إذا كان ضعيفًا لا يحتج به إلا إذا


(١) يُنظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (٢/ ٢١٦) حيث قال: " (ومَنْ صالح عن ألفٍ حالٍّ بخمسمائة مؤجلة، فليس بمعاوضة)، بل هو مسامحة بحط خمسمائة، وبإلحاق أجل بالباقي، والأول سائغ دون الثاني (فيصح الإبراء) من الخمسمائة إلا التأجيل، وفي عكسه) بأن صالح عن ألف مؤجل بخمسمائة حالَّة (يبطل)؛ لأنه ترك بعض المقدار ليحصل الحلول في الباقي".
(٢) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٣/ ٣٩٢) حيث قال: " (وإن صالح) رشيد (عن) دين (مؤجل ببعضه حالًّا، لم يصح) الصلح".
(٣) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١١٤٧١)، وضعَّفَه.
(٤) قال البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٤٧): "وروي فيه حَديثٌ مُسْندٌ في إسناده ضعف".

<<  <  ج: ص:  >  >>