للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قياس الشَّبه هو هذا الذي مر بنا، أما قياس العلة - وهذا قياس قوي كما هو معروف - يعني إلحاق فرع بأصل في حكمٍ لعلةٍ تجمع بينهما، لكن إذا لم توجد العلة، وكان الرابط بين القياسين هو الشبه، فهذا يعتبر قياسًا ضعيفًا لا يرقى إلى درجة القياس الذي يبنى على علة، والقياس الذي ورد في الكتاب، وكذلك في السُّنَّة أيضًا ورد ما يدل عليه {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]، هذا فيه إشارة إلى القياس.

وكذلك السُّنَّة في قصة الرجل الذي جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاكيًا بأن زوجته ولدت غلامًا على غير لون أمه وأبيه، وتعلمون بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سأله: "أَلَكَ إبلٌ؟ "، قال: نعم، قال: "وَكَيْفَ عَرَفْتَ أَلْوَانَهَا؟ "، قال: بأنها كذا وكذا، قال: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ "، قال: نعم، قال: "وَأَنَّى أَتَى هَذَا؟ "، قال: لعله نزعه عرق، قال: "وَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ" (١)، فَرَفع عنه الوهم والشك الذي كان يتردد بذهنه.

وبهذا نَتَبيَّن - أيها الناس - كيف كان رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقرر بعض الأحكام عن طريق ضرب المثل، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطاه مَثَلًا اسْتلَّه منه، هو ثم رتَّب عليه الحكم، فذهب الرجل راضيًا مقتنعًا، ولذلك نجد أن الكتاب العزيز يكثر من ضرب الأمثلة {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: ٢١].

قال رحمه الله تعالى: (وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنَّ العُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ عُثْمَانَ البَتِّيِّ) (٢).


= وينكح ويطلق ويكلف أشبه الحر، فيلحق بما هو أكثرهما شبهًا، وهو مختلف في حجيته. يُنظر: "روضة الناظر" لابن قدامة (ص ٣١٣).
(١) أخرجه البخاري (٥٣٠٥)، ومسلم (١٥٠٠).
(٢) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (١٣/ ٣٣٤)، وقال: "قال عثمان البتي: لا بأس أن تبيع كل شيء قبل أن تقبضه؛ كان مكيلًا أو مأكولًا أو غير ذلك من جميع الأشياء، وهذا قول مردودٌ بالسُّنَّة والحجة المجمعة على الطعام، وأظنه لم يبلغه الحديث، ومثل هذا لا يلتفت إليه".=

<<  <  ج: ص:  >  >>