للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشتريه ليلًا جاهلًا بصفته، فالكيفية التي اشتراه بها لا تبيِّن له جميع صفات القماش، وقد يكون للسلعة أوصاف معينة لا تختلف، لكن ربما تخزن السلعة، ويمرُّ عليها فترات طويلة فتؤثر في جودتها، لا سيما إن كانت الحرارة شديدةً، وربما تصيبها العتة، فهذا التخزين لا يضمن سلامتها.

لذا، لا بد من توخي الحذر عند شراء مثل هذه السلع بأن تقلَّب، وينظر فيها جيدًا حتى يكون المشتري على بَيِّنةٍ؟ لكي لا يشتريها على علاتها وعيوبها، ثم يرجع بها إلى البائع، وربما لا يقبل البائع ردَّها؛ لأنه قد يقول: سلَّمتك إياها وقد أعطاك الله تعالى عينين، فلماذا لم تنظر فيها جيدًا؟!

وليس المراد بكلمة "ليلًا" أن البيع في الليل لا يجوز، إنما القصد الظلمة؛ لأن مظنة الغبن والغش فيه أكثر، ولذا إذا وُجِدَ الضوء في الليل، فلا حرج في البيع والشراء، ولا فرق حِينَئذٍ بين بيع الليل، وبيع النهار، والنهي الوارد يخصُّ ما مضى من القرون؛ إذ كانوا يسعدون في الليالي البيض؛ لظهور ضوء القمر، أما الآن فالإضاءة متوفرة ليلًا.

والفقهاء رحمهم الله لم يتركوا شيئًا إلا تكلموا عنه؛ لذلك فصَّلوا في شراء الأعمى، هل هو نافذ أو لا، والصحيح أنه نافذ، لكن إن تبيَّن أنه غُبِنَ في أمرٍ له علاقةٌ بالنظر، فإنَّ له أن يعيدَ ذلك المبيع (١).


(١) فمذهب الحنفية، يُنظر: "الدر المختار" للحصكفي، وحاشية ابن عابدين (٤/ ٦٠٠) قال: "وصح عقد الأعمى … وسقط خياره بجس مبيع وشمه وذوقه فيما يعرف بذلك، ووصف عقار … قبل شرائه ولو بعده يثبت له الخيار بها".
ومذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير، وحاشية الدسوقي (٣/ ٢٤) قال: "وجاز البيع أو الشراء من الأعمى … ويعتمد في ذلك على أوصاف المبيع".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٥/ ٣٣٨، ٣٣٩) قال: البيوع ضربان؛ بيع عين، وبيع صفة، فأما بيع العين فلا يصح من الأعمى إلا أن يكون بصيرًا قد شاهد ما ابتاعه قبل العمى، فيصح … وأما بيع الصفة فهو السلم، ويصح ذلك من الأعمى بيعًا وشراءً".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "مطالب أولي النهى" (٣/ ٢٨) قال: "يصح بيع أعمى وشراؤه … عرفه بذوق أو شم أو لمس".

<<  <  ج: ص:  >  >>