فإذا لم يَظْفروا بالعدو البعيد، ظفروا ببعضهم، فكانت تشبُّ بينهم الحروب لأتفه الأسباب، وَتَسيل الدماء، وتزهق الأرواح؛ وذلك لعَدم وجود نظامٍ إلهيٍّ سماويٍّ - غير الأنظمة القانونية - ينضمون تحت لوائه، ولذلك سادت بينهم كثير من المنكرات، ووقعوا في الشركيات، وتخلَّقوا ببعض الأخلاق الذميمة أيضًا نتيجة لعدم وجود نظام يضبطهم، ويسيرون تحت ظلِّه، لكن لما جاء الإسلام محا كلَّ ما قبله من نفايات الجاهلية؛ وجعل الدستور كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ مصدقًا لما بين يديه، ومهيمنًا عليه، وانضم المسلمون تحت هذا اللواء، وجاءت سُنَّة مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لتُبيِّن ما أُجْمل في هذا الكتاب:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، وتأتي بأحكام لا تتعارض مع ما في الكتاب الكريم، فتِلْكُم من أعْظَم ما أنعم الله به سبحانه وتعالى علينا، وما أعظمها من نعمة!
ولذلك، امتنَّ علينا في آخر ما نزل:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران: ١٠٣]، ولم يَمُتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد أتمَّ الله به الدين، وأتمَّ النعمة، يقول تعالى في آخر الآيات نزولًا في سورة المائدة:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣].
وقال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩].
فهذه من أجلِّ النعم التي ينبغي أن يُشكَر الله سبحانه وتعالى عليها أن جعلنا مسلمين، ووفقنا لهذا الدين، نسأله تعالى أن يميتنا على هذا الدين الحنيف، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يجعلنا من أهل (لا إله إلا الله) الذين لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.