للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا: إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا وَقَعَتِ الحَصَاةُ مِنْ يَدِي، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ (١)، وَهَذَا قِمَارٌ).

لا شك أن كل عاقل يدرك بلُبِّ قلبه، ينفر من هذه البيوع الفاسدة، فهذه البيوع تقوم على المغامرة، والمخاطرة، والجهالة، والغرر، والفساد؛ لذا لا تقبلها النفوس الزكية، والعقول النيرة.

وفرقٌ بين إنسان عاش في خضم الجاهلية، ثم تحول إلى العيش تحت رحمة الإسلام، وضرب الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أروع الأمثلة للفرق بين الحالين، فكان في الجاهلية يصنع الصنم من التمر ليعبده، ثم إذا جاع أكله، ويحفر لابنته ليدفنها، وهي تزيل التراب عن لحيته، ثم بعد الإسلام تَحوَّل إلى عمر الفاروق - رضي الله عنه -، فلما اصطبغ بصبغة الإسلام، نزل القرآن مؤيدًا لرأيه في بعض المواقف - رضي الله عنه -، فانظر إلى فضائل الإسلام، وكيف أنه يصقل الرجال، ويغير أحوالهم!

وكان العقلاء في الجاهلية ينفرون من بعض الأمور المحرمة في الإسلام، فالخمر - مثلًا - قد حرَّمها الله - سبحانه وتعالى - على مراحل، لكن بعض عقلاء الجاهلية - كقيس بن عاصم - قد نفر من الخمر، وحَرَّمها على نفسه، وسبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أبويها، ورأى القمر فتكلم بشيءٍ، وأعطى الخمر كثيرًا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك، فحرمها على نفسه، وقال في ذلك:

رَأَيْتُ الخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا … خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الحَلِيمَا

فَلَا وَاللهِ أَشْرَبُهَا صَحِيحًا … وَلَا أَشْفِي بِهَا أَبَدًا سَقِيمَا

وَلَا أُعْطِي بِهَا ثَمَنًا حَيَاتِي … وَلَا أَدْعُو لَهَا أَبَدًا نَدِيمَا

فَإِنَّ الخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيهَا … وَتَجْنِيهِمْ بِهَا الأَمْرَ العَظِيمَا

فهؤلاء من أهل الجاهلية كانوا يدركون إذا فكروا، ولذلك كانوا


(١) سبق تعريفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>