للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يظهر الفجر الصادق، إذًا، هناك غاية ومغيًّا، كقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦]، وقد فصلنا الكلام في مسألة دخول ما بعد الغاية في المغيَّا في أبواب الوضوء والطهارة، فليرجع إليه.

أما النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، أي: أنَّ بيعها قبل ظهور صلاحها ونضجها لا يجوز، لأن الغاية هي ظهور صلاحها.

قوله: (وَأَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَتَنَاوَلُ البَيْعَ المُطْلَقَ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَلَمَّا ظَهَرَ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ المَعْنَى فِي هَذَا خَوْفُ مَا يُصِيبُ الثِّمَارَ مِنَ الجَائِحَةَ غَالِبًا قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ الزَّهْوِ: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ " (١)).

وهذا يُظْهِرُ ما في هذه الشريعة من الرحمة والعناية بأمور الناس، وحرصها ألَّا يضيع حق واحد بيد آخر، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَع اللَّهُ الثَّمَرَةَ"، لا يحصل شيء إلا بإرادة الله - سبحانه وتعالى - وبقدرته، فإذا ما نزلت آفة من السماء كأمطارٍ غزيرةٍ فأثَّرت على الثمار، أو رياح عاتية، أو جائحة من الجوائح - والمراد بالجائحة، أي (٢): التي تخرج عن قدرة الإنسان - كحريق أو غيره، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ"؟ (٣).

فبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - العلة في المنع، وهي الضرر الواقع على المشتري، فكيف يأكل البائع مال أخيه ولمَّا يستفد بهذه الثمرة التي اشتراها.

وقد يقول قائلٌ: قد تضرر البائع أيضًا؟!


(١) تقدم تخريجه.
(٢) "الجائحة": وهي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة: جائحة، والجمع جوائح. انظر: "النهاية" لابن الأثير (١/ ٣١١، ٣١٢).
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>