للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: إن البائع قد حبس الأصل له، فلو ضاعت عنه هذه الثمرة، فالأصول باقية، وسيعوضه الله تعالى في المستقبل، وهذا معروف، فكَمْ من المزارعين قد خسروا في زراعة القمح أو النخل أو الفواكه أو الخضار وغيرها، لكن الله - سبحانه وتعالى - يُعوِّضهم على ذلك، وبخاصَّة إذا رجع الإنسان إلى الله - سبحانه وتعالى - واعتقد بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل ما ينزل بالمرء المسلم في هذه الحياة إنما هو بإرادة الله - سبحانه وتعالى - وقدرته (١)، وأن مَنْ صَبَر، فإن الله - سبحانه وتعالى - يثيبه ويجازيه على صبره، وقد يُعجِّل له الجزاء في هذه الحياة الدنيا، وربما يؤجل له الجزاء في الآخرة، فيكون أعظم وأنفع له في الدار الآخرة.

• قوله: (لَمْ يَحْمِلِ العُلَمَاءُ النَّهْيَ فِي هَذَا عَلَى الإِطْلَاقِ، أَعْنِي: النَّهْيَ عَنِ البَيْعِ قَبْلَ الإِزْهَاءِ، بَلْ رَأَى أَنَّ مَعْنَى النَّهْيِ هُوَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ إِلَى الإِزْهَاءِ، فَأَجَازُوا بَيْعَهَا قَبْلَ الإِزْهَاءِ بِشَرْطِ القَطْعِ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا وَرَدَ البَيْعُ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الحَالِ).

عَادَ المُؤلِّف مرةً أخرى إلى قضية بيع الثمرة قبل بُدوِّ صلاحها مطلقًا بغير شرطٍ، والخلاف بين أبي حنيفة والجمهور، فالجمهور يمنعون، وأبو حنيفة يجيز (٢)، ولكلٍّ وجهةٌ يتمسك بها، وقد مر تفصيل المسألة.


(١) هذا معنى حديث أخرجه أبو داود (٤٦٩٩)، وابن ماجه (٧٧) من طريق ابن الديلمي، قال: أتيت أُبيَّ بن كعب، فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيءٍ لعل الله أن يذهبه من قلبي. قال: "لو أن الله عذب أهل سماواته، وأهل أرضه، عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أُحُدٍ ذهبًا في سبيل الله، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطاك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار"، قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك .. وصَحَّحه الألبَانيُّ في "صحيح الجامع" رقم (٥٢٤٤).
(٢) تقدم نقل أقوالهم قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>