للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون عن ذلك؛ لأن الإنسان - مهما علا قدره - قد جُبِلَ على حب المال، فإذا هلك ماله في سلعةٍ من السلع، فلا شكَّ أنه سيتأثر، وربما يَحْمل في نفسه غِلًّا على أخيه، فأراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يباعد بينهم وبين الغل، وأن تبقى نفوسهم صافيةً خاليةً من كل الشوائب.

• قوله: ("لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا").

قال بعضهم: هذا في أول الأمر، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكَّد النهي، فكان نهيًا جازمًا يدل على تحريم ذلك قطعًا، ولذلك لم يخالف في بيع الثمر قبل القطع إلا ابن أبي حبيب (١).

• قَوْله: (وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّ المَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الحَدِيثُ فِي قَوْلِهِ: "حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ"، هُوَ ظُهُورُ الثَّمَرَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ " (٢)).

يَقُولُ بعض الناس: إن الشريعة الإسلامية إنما هي جزئيات الفقه الإسلامي، ولا نجد رابطةً تربط بينهما، لكننا نجد أن القانون الوضعي وضع النظريات الكبرى، وأَسَّس القواعد العظيمة؛ ولذلك سهل علينا فهمه وإدراكه.

ويرَدُّ عليهم بأن الفقه الإسلامي قد سبقهم في كل ما يدعون، وأن ما وضع في هذا الأمر إنما هو مستفادٌ أوَّلًا مما في الفقه الإسلامي، وأن الفقه الإسلامي مليءٌ بالنظريات.

ويقولون: إن نظرية الجوائح موجودة في القانون الوضعي، وغير موجودة في الشريعة، وها هو حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينطق بذلك ويبينه: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ "، فهل هناك قاعدة أعظم من هذه القاعدة؟ وهل هناك توجيه أعظم من هذا التوجيه؟


(١) تقدم نقله.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>