للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الغرر"، وقد ثَبتَ في "صحيح مسلم" أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نَهَى عَنْ بَيْعِ الغَرَرِ" (١)، ويعتبرون تلك الصور منه.

ويُوَافقهم الإمام مالك أحيانًا على إثبات الغرر في تلك، وأحيانًا يعدُّه من باب الخيار؛ فالإمام مالك - رحمه الله - لا يلتفت إلى اللفظ، وإنما يُعوِّل على المقصد والمراد، فَما دامت السِّلعةُ صحيحةً خاليةً من الحرام والعيوب، وكان البيع معلومًا، اعتبر ذلك نوعًا من التخيير.

• قَوْله: (أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ نَقْدًا، وَالآخَرُ نَسِيئَةً، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِثَمَنِ كَذَا عَلَى أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلِ كَذَا بِثَمَنِ كَذَا) (٢).

ولا تجوز هذه الصورة أيضًا، ولو قال البائع: أبيعك هذه السيارة بعشرين ألفًا لمدة عامٍ أو عامين لجاز.

والفَرْق: أن قوله: "بكذا أو كذا" يجعل المشتري في حيرةٍ وترددٍ، فالبائع إن اشترى التي بألفٍ كأنه اشترى بها الأخرى، أو بَاع بها الأخرى، وإن اشترى التي بألفين إلى أَجلٍ، فكأنه باع شيئًا بشيءٍ، فالغَرر موجودٌ، والإبهام موجود أيضًا.

• قوله: (وَأَمَّا مَثْمُونَانِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ).

وربما يقول البعض: لماذا يُتْعب الفقهاء أنفسهم، ويضيعون أوقاتهم في مثل هذه المسائل، وهذه الجزئيات، بل قد نجد بعضهم يفني عمره كله، ويقضي حياته في مثل هذه المسائل الخلافية، ولماذا لا ندع كل تلك الجزئيات ونأخذ الأحكام الظاهرة؟ أو نأخذها مباشرةً من الكتاب والسُّنَّة؟

الجواب: لا شكَّ أن المصدرين الأساسيين للتشريع إنما هما الكتاب والسُّنة، وهذا أمر لا ينازع فيه، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة،


(١) حديث (١٥١٣/ ٤) عن أبي هريرة.
(٢) يُنظر: "الذخيرة" للقرافي (٩/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>