للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخير من يعلم ذلك ويعمل به هم الأئمة الكبار أصحاب المذاهب، لكن قد نجد بعض المسائل والحوادث التي تنزل بالأمة، والوقائع التي تتكرر، ولا يوجد لها نصٌّ صريحٌ في كتاب الله، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فذلك أمرٌ يحتاج إلى معرفة العلل، فتلاميذ الأئمة رحمهم الله لمَّا وجدوا هذا الكنز العظيم، تَحيَّروا في كيفية ترتيب تلك المسائل، وأن يقرروها، وأن يقيموا عليها الأدلة، فأخذوا يبحثون عن علل تلك الأحكام التي بنى عليها الأئمة مسائلهم، فلما وقفوا عليها، بدؤوا يُدوِّنون تلك المسائل، فتكوَّن هذا الفقه العظيم.

إذًا، لا شك في رجوعنا إلى الكتاب والسُّنة الصحيحة، لكننا أحيانًا قد لا نجد الحكم ظاهرًا فيهما، فنأخذ بمقاصد الشريعة، ومقاصد الشريعة مطلوب الأخذ بها، لأن الشريعة لها أصولٌ قامت عليها، وكلها مقاصد سامية ينبغي أن يُرْجع إليها، وهكذا كان الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم مَنْ بعدهم التابعون ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.

• قوله: (فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ بِثَمَنِ كَذَا) (١).

أي: كأن يقول البائع مثلًا: أبيعك أحد هذين الثوبين.

• قوله: (أَمَّا الوَجْهُ الأوَّل، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الغُلَامَ بِكَذَا).

إذن، لقد رتب البائع مسألة بيعه على بيع الآخر، كأن يقول: أبيعك هذه الدار بكذا على أن تبيعني هذا الغلام بكذا، فمعنى ذلك: إذا لم يبعه هذا الغلام، لم يبعه الدار، وربما إذا لم يبعه هذا الغلام أيضًا، زاد عليه في سعر الدار، فالبَيْعُ بهذه الصورة فيه جهالةٌ وغررٌ، ولذلك نهى شرعنا الحنيف عنه.


(١) يُنظر: "الفروق للقرافي وتهذيب الفروق" لمحمد بن علي بن حسين (١/ ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>