للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَعِلَّةُ امْتِنَاعِهِ عِنْدَ مَالِكٍ سَدُّ الذَّرِيعَةِ المُوجِبَةِ لِلرِّبَا لإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَهُ الخِيَارُ قَدِ اخْتَارَ أَوَّلًا إِنْفَاذَ العَقْدِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ المُؤَجَّلِ أَوِ المُعَجَّلِ، ثُمَّ بَدَا لَه، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ).

إذن، نجد في مذهب الإمام مالكٍ - رحمه الله - التردد، وأنه يخشى من أن يكون ذلك وسيلةً إلى الربا؛ فيكون القيد الذي وَضَعه الأئمة الثلاثة هو الأنسب في هذا المقام، وهو الأحوط للمسلم، والأحفظ لدينه أن يبتعد عن مثل هذه الشبهات.

• قوله: (فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ أَحَدَ الثَّمَنَيْنِ لِلثَّمَنِ الثَّانِي، فَكَأَنَّهُ بَاعَ أَحَدَ الثَّمَنَيْنِ بِالثَّانِي، فَيَدْخُلُهُ ثَمَنٌ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً، أَوْ نَسِيئَةً وَمُتَفَاضِلًا، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كانَ الثَّمَنُ نَقْدًا).

والتردد قد يجلب الندم، والندم قد يحصل في بعض السلع التي ليس فيها ربًا كالثلاجات مثلًا، فإذا سأل المشتري عن اثنين وتردد بينهما، ثم اشترى واحدةً، فربما بعد أن يأخذها يندم ويقول: لو أنني اشتريت الأخرى لكان أفضل، فما بالك بأمورٍ خيرت فيها؛ إما أن تأخذها بمبلغ أقل نقدًا، وإما بمبلغ أكثر مؤجلًا، وتطالب به في وقته!

قوله: (إِنْ كانَ الثَّمَنُ غَيْرَ نَقْدٍ بَلْ طَعَامًا، دَخَلَهُ وَجْهٌ آخَر، وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا) (١).

كذلك أيضًا يدخله التفاضل؛ لأن الطعام كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذه الأَصْنَاف، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" (٢)، وكما هو معلوم ما


(١) تقدم الكلام على هذه المسألة.
(٢) أخرجه مسلم (١٥٨٧/ ٨١) عن عبادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>