للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قولُهُ: (وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ الْكَيْلَ، ويَبِيعَ الْمَكِيلَ جُزَافًا (١)، مِمَّنْ يَجْهَلُ الْكَيْلَ).

لا يجوز ذلك عند مالك، وأحمد كذلك.

هذه مسألة أخرى، حيث لا يجوز للبائعِ العالمِ بقدر الطعام مكيلًا أن يبيعه للمشتري جُزافًا، لأنَّه يحصل حينئذٍ نوع من الغشِّ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من غشنا فليس منا"، كما أنَّ فيه تدليس على المشتري، والتدليس نوع من الغرر، وربما ينتهي أيضًا إلى الغبن.

فينبغي للبائع أن يكون صادقًا، وقد رأينا أنَّ من أصول البيوع التي ينبغي أن تكون مستمدة منه أو تبنى عليه: الصدق، كما جاء في الحديث: "فإن صَدَقَا وبيَّنَا بُورك لهما في بيعهما"، فينبغي للبائع أن يكون صدوقًا، وليعلم أنَّه إذا صدق مع المشتري فإنَّ اللهَ تبارك وتعالى سيبارك له في ربحهِ، وإن قَلَّ، فإنَّ اللهَ تعالى سينميه له حتى يَكثُر، فيستفيد منه في هذه الحياة الدنيا، ويجد ثواب ذلك في الآخرة، كما أنَّه مر بنا فيما مضى من الأحاديث ثواب الذين يخففون عن الناس، ويرفعون عنهم الكربات، وما أُعد لهم من الثواب، زيادة على ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفة التاجر الصادق، ومع من يحشر، فهذا كله حضَّ عليه الإسلام.

أمَّا إذا غش البائع ودلس وأخفى؛ فلا شك أنَّه آثمٌ في ذلك، ومهما زاد ماله، فإنَّ البركة قليلة، وربما يظن بعض الناس أنَّ المال بكثرته، ولكن الأمر عكس ذلك تمامًا، فكم من أناس تجد لديهم أموالًا طائلةً، ولكنهم لا ينعمون بها، فربما يأكلون أحسن المأكولات، ويلبسون أحسن الملبوسات لكنك تجدهم يفتقدون الرَّاحة، ويغلب على حالهم القلق،


(١) يُنظر: "الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي" (٣/ ٢٢ - ٢٣)، حيث قال: "لدخولهما على الغرر الكائن من العالم من حين العقد؛ لأنَّه لمَّا علم أحدهما بالقدر، وعلم الآخر بعلمه، وتركا الدخول على الوزن، أو الكيل، وارتكبا الجُزاف صار كل واحد قصده غرر صاحبه، وغلبته".

<<  <  ج: ص:  >  >>