وفي هذا الحديث بيان منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عنايته بأمته، ورحمته بها، وتواضعه - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث عرض - صلى الله عليه وسلم - على جابر - رضي الله عنه - أن يشتري منه البعير الذي دعا له، وتغير حاله، ومع ذلك يقول: لا، ولم يؤثر ذلك في خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يُكرر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك عليه، وجابر - رضي الله عنه - يعلم مكانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستجيب لرغبته، ويشترط شرطًا، وهذا الذي له علاقة ببيع الشروط والثُنيا؛ لأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتاع ذلك الجمل من جابر - رضي الله عنه -، واشترط جابر - رضي الله عنه - حملانه إلى المدينة، أو إلى أهله.
* قولُهُ: (وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ بَرِيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ:"كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ"، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ) (١).
وهو الحديث طويل، وقد اختصره المؤلف، وجاء بموضع الشاهد فقط، وله قصة: فبريرة كانت مملوكة، فكاتبت أهلها على تسع أواق - والمكاتبة نوع من أنواع العتق، لكنه يأتي على مراحل - تدفع لهم في كل عام أوقية، فكأنَّه شق ذلك عليها، فجاءت إلى عائشة - أم المؤمنين - - رضي الله عنها - تطلب منها العون والمساعدة، فما كان من عائشة - رضي الله عنها - إلَّا أن قالت: اذهبي إلى أهلك - أي: الذين يملكونها - فسوف أعدها لهم على أن يكون ليَ الولاء - وهذا هو الأصل - فذهبت إليهم، فأبوا، وقالوا: الولاء لنا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا فقال لعائشة - رضي الله عنها -: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، - وإن اشترطي لهم الولاء، لا يضر -، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس خطيبًا فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أَمَّا بَعْد، فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ عز وجل فَهُوَ بَاطِلٌ، وإنْ كانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللّهِ