للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا تعليله، ولا شكَّ أنك عندما تجري نظرة شاملة على المذاهب، ستجد أنَّ كل واحد ربما يقول بأنَّ مذهبه هو أولى المذاهب، وهذا في حقيقة القول على إطلاقه، والقول إنَّ مذهب فلان هو أولى المذاهب جملة غير مسلم لهم، وقد يكون أولاها في مسائل، ولا يكون أولاها في مسائل أخرى، بل يكون المذهب الآخر أولى منه.

ونجد أنَّ بعض العلماء يتمسك بالآثار الكثيرة، لكن ليس معنى ذلك أنَّ هذا المذهب هو المذهب الصحيح، وغيره غير صحيح، أو أنَّ الحقَّ دائمًا معه.

ونحن نقول بأنَّ الأئمة، ومن قبلهم التابعون رحمهم الله، والصحابة - رضي الله عنهم - مجتهدون، وأنَّ الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد، وقد نبه إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد" (١). ولما أرسل معاذًا - رضي الله عنه - إلى اليمن قال: "بم تحكم؟ " قال: بكتاب الله، قال: "فإن لم تجد"، قال: فبسنة رسوله، قال: "فإن لم تجد" قال: أجتهد رأييِ (٢).

فالفقيه أول ما ينظر في كتاب الله، ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم بعد ذلك يجتهد، فيرد المسائل بعضها إلى بعض، لذلك لمَّا جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تطلب توريثها، قال: لا أجدُ لكِ في كتاب الله سبحانه وتعالى من شيء، ونظر في سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يجد، حتى جاءه المغيرة - رضي الله عنه - فذكر له أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ورثها الثلث (٣)، وليس معنى ذلك


= إحداهما: تقديم الترجيح بين النصين، وهذا مذهب الحنفية.
والثانية: تقديم الجمع بينهما، وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. ويرى المالكية: أنَّ إعمال الدليلين أولى من إلغائهما، أو إلغاء أحدهما.
يُنظر: "مناهج التحصيل في شرح المدونة" (١/ ٢٤٧، ٢٤٨)؛ لأبي الحسن الرجراجي المالكي، حيث قال: "فالجمع بين الحديثين مع الإمكان أولى من الطرح".
(١) أخرجه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٥٩٢)، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٢/ ٢٧٤).
(٣) أخرجه أبو داود (٢٨٩٤)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (٢/ ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>