للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: (ذوق المجتهد): أي أنَّ الفقيه يبذل ذوق قلبه، ويستجمع الأدلة، وينظر ما في المسألة من علل تتعلق بها، ثم بعد دراسة، وتمحيص، وتدقيق، يقول رأيه فيها.

ولا شكَّ أنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد فرَّقَ بينَ الناسِ في أذهانهم، وأفكارهم، وذكائهم، وفي سرعة بديهتهم، فهناك من هو سريع البديهة، ومن هو دون ذلك، لكن العلماء الذين يشير إليهم المؤلف هم أولئك الأعلام الذين وهبهم الله تعالى علمًا واسعًا، وصلاحًا، وتقوى، وإخلاصًا لهذا الدين.

* قولُهُ: (لأنَّ هَذه الْمَوَادَّ يُتَجَاذَبُ الْقَوْلُ فِيهَا إِلَى الضِّدَّيْنِ عَلَى السَّوَاءِ عِنْدَ النَّظَرِ فِيهَا، وَلَعَلَّ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَادِّ يَكُونُ الْقَوْلُ بِتَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ صَوَابًا، ولهذا ذهب العلماء في أمثال هذه المسائل إلى التخيير).

المؤلف يشير بكلامه هذا إلى الحديث الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصلِّينَّ أحدٌ إلَّا في بني قريظة" (١)، ومن هنا فالصحابة اختلفوا في فهم الحديث: فبعضهم فهم من ذلك الحض، والإسراع في الوصول إليهم، ومنهم من فهم ألَّا تُصلى صلاة العصر إلَّا عندهم، ولا شكَّ أنَّ كُلًّا من الفريقين اجتهد، ومن هنا جاء قول الأصوليين: كُل مُجتهدٍ مُصيبٌ (٢).

ولا شكَّ أنَّ رأي الذين صلوا في الطريق قد جمع بين أمرين؛ الاجتهاد وإصابة المراد والحق، والآخرون اجتهدوا، وكل طائفة من المجتهدين في هذا الحديث لها ثواب، لكن الذين اجتهدوا فأصابوا لهم أجران، ومن اجتهد وأخطأ في اجتهاده، أو في فهمه فله أجر؛ لأنَّه قصد الحق، والوصول إليه.

وأمَّا من يجتهد، ويحكم عقله وهواه، فإنَّ ذلك لا يُعد من نوع الاجتهاد، والله - سبحانه وتعالى - يقول عن نبيه داود - عليه السلام -: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}،


(١) أخرجه البخاري (٩٤٦)، ومسلم (١٧٧٠).
(٢) يُنظر: "الفصول في الأصول"؛ للجصاص (١/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>