للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه البيوع التي سيشرحها المؤلف في هذا الباب، كلها بيوعٌ نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ليس كُلُّ نهيٍ يدلُّ على التحريم، فقد يدلُّ على الكراهة.

وهذا يدلُّ على أنَّ هذا الدين عظيم؛ فهو إلى جانب كونه شريعة فهو كذلك معاملة، وهو دينٌ ما طرق العالم مثلُه وما نزل به مثل هذه الشريعة التي جعلها الله - سبحانه وتعالى - حياةً للقلوب كما جعل الماء حياةً للنفوس، لذلك أمر الله باتِّباعها دون غيرها فقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)} [الجاثية: ١٨].

والرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما نهى عن بعض البيوع؛ إنما أراد بذلك ما يجمع كلمة المسلمين، ويزيل الخلاف بينهم، وينبذ الشقاق، ويباعد بينهم وبين المكر والخديعة، وبين إيقاع الضرر من بعضهم لبعض.

* قولُهُ: (وَالمَسْمُوعُ مِنْ هَذَا البَابِ).

المرادُ بالمسموع: ما سُمِع؛ أي: ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماعًا.

* قولُهُ: (مَا ثَبَتَ مِنْ نَهْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَعَنْ أَنْ يَسُومَ أَحَدٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ).

لأنه قد ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ" (١)، وفي بعض الرِّوايات: "لا يبع" بحذف الياء، فتجد أنه أُثبتت الياء مرة، وحُذفت أخْرى، على أنه في حالةِ الحذف تكون "لا" ناهية، وفي حالة الإثبات تكون نافية، ومن العلماء من يرى أنها قد تُقدَّر ناهية، وعلى أساس الإشباع بالكسب (بالكسر)، كما في قول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}، فمَنْ اسم شرط جازم، ومع ذلك أُثبتت الياء في هذه القراءة {يتّقي} (٢).


(١) أخرجه ابن ماجه (٢١٧٢)، وأصله في "الصحيحين" مفرقًا.
(٢) قرأها قنبل بإثبات الياء، يُنظر: "النشر في القراءات العشر" (٢/ ٢٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>