للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْرَد المؤلف رواية أصحاب الزهري، وهي في " الصَّحيحين " (١)، من طريق ابن أبي ذئب، ومن طريق الليث، وليس فيها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لها أن تغتسلَ لكلِّ صلاة، وأورد رواية إسحاق عن الزهريِّ، وفيها: فأَمَرها أن تغتسل لكل صلاة.

فتَنبَّه إلى أن رواية " الصحيحين " أنها شَكَتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حالها، وأخبرته باستمرار الدم، وأنه لا ينقطع، فأمرها أن تغتسل عند انقطاع دم الحيض، ولم يأمرها بأكثر من ذلك، فاختارت هي أن تغتسل لكل صلاة.

قال الشافعيُّ رَحِمَهُ اللهُ (٢): " لم يأتِ في الأحاديث ما يدل على الاغتسال لكل صلاة، وإنما فعلت ذلك اجتهادًا منها ".

وَقَالَ بعض أهل العلم (٣): " لَوْ كان الغسل لكل صَلَاةٍ وَاجبًا، لبيَّنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز " (٤).

وأمَّا فعلها - رضي الله عنها - فهو مبنيٌّ على الاحتياط، أو أن هذا قدر مستحب، لكن القول بوجوب الغسل لكل صلاة لا بُدَّ له من دليل من الكتاب أو


(١) أخرجه البخاري (٣٢٧)، ومسلم (٦٨٢)، عن عائشة - رضي الله عنها - أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأمرها أن تغتسل، فقال: " هَذَا عرقٌ "، فكانت تَغْتسل لكل صلاة.
(٢) يُنظر: " الأم " للشافعي (٢/ ١٣٨) قال: " إنَما أَمَرها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن تَغْتسل وتصلِّي، وليس فيه أنه أَمَرها أن تغتسل لكل صلاةٍ ".
(٣) يُنظر: " نيل الأوطار " للشوكاني (١/ ٣٠٢)، قال: " وما ذهب إليه الجمهور من عَدَم وجوب الاغتسال إلا لإدبار الحيضة هو الحق، لفَقْد الدليل الصحيح الذي تقوم به الحجة لا سيما فِي مثل هذا التكليف الشاق … وجميع الأحاديث التي فيها إيجاب الغسل لكل صَلَاةٍ … كلُّ وَاحِدٍ منها لا يخلو عن مَقَالٍ، لا يقال: إنها تنتهض للاستدلال بمجموعها؛ لأنا نقول: هذا مسلم لو لم يوجد ما يُعَارضها، وأما إذا كانت معارضةً بما هو ثابتٌ في الصحيح فلا؛ كحديث عائشة، فإن فيه: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة بنت أبي حبيش بالاغتسال عند ذهاب الحيضة "، فقط، وتَرْك البيان في وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول.
(٤) سيأتي الكلام عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>