للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (ومَذْهَب الجَمْع): الجمع يُصَار إليه عند ظهور خِلَافٍ بين دَليلَين صَحيحَيْن، فمثلًا قوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خير الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد " (١)، وقوله: " شر الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد " (٢)، كلاهما صحيح، وظاهرهما التعارض، فأحدُهُما: فيه مدح الذي يشهد قبل أن يستشهد، والآخر: فيه ذمه، ولا شكَّ أنَّ كليهما حق ومقصود له معنًى، ولذَا قال أهل العلم في الجمع بينهما (٣): إنَّ الذي يشهد قبل أن يستشهد في مسألةٍ قد يترتب عليها إلحاق ضررٍ بمسلم لا ينبغي، بَلْ هو تعجل في الشهادة، وخير الشُّهُود الذي يشهد قبل أن يستشهد إذا كان يعرف حقًّا لمسلمٍ عند آخر، وَيتَرتَّب على شهادته إيصال الحق إليه، وبذلك أمكَن الجمع بينهما مع أن ظَاهرَهما التعارض.

* قوله: (أَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، فَمَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ ابْنَةِ حُبَيْشٍ لِمَكَانِ الاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهِ، عَمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَعْنِي مِنْ أَنَّهُ


(١) أخرجه مسلم (٤٥١٥).
(٢) لم أقف عليه مسندًا بهذا اللفظ، وأقربُ الألفاظ إليه الذي أخْرَجه البخاريُّ (٢٦٥١)، ومسلم (٢٥٣٥)، قال - صلى الله عليه وسلم -: " خَيْر أُمَّتي قرني، ثمَّ الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم إنَّ بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، وَيخُونون ولا يؤتمنون ".
(٣) قال الحافظ ابن حجر: " وذهب آخرون إلى الجمع بينهما، فأجابوا بأجوبة:
أحدها: أن المراد بحديث زيد مَنْ عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلم بها صاحبها، فيَأْتِي إليه، فيُخْبره بها أو يموت صاحبها العالم بها، ويخلف ورثة، فيأتي الشاهد إليهم أو إلى مَنْ يتحدَّث عنهم، فيُعْلمهم بذلك، وهذا أحسن الأجوبة.
ثانيها: … وحاصله أن المراد بحديث ابن مسعود الشهادة في حقوق الآدميين، والمراد بحديث زيد بن خالد الشهادة في حقوق الله.
ثالثها: أنه محمولٌ على المبالغة في الإجابة إلى الأداء، فيكون لشدَّة استعداده لها؛ كالذي أدَّاها قبل أن يسألها كما يُقَال في وصف الجواد: إنه ليعطي قبل الطلب أي: يعطي سريعًا عقب السؤال من غير توقف … "، وانظر: " فتح الباري " لابن حجر (٥/ ٢٦٠)، و، " شرح مسلم " للنووي (١٢/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>