للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قولُهُ: (أَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا بِالْعَيْبِ حُكْمٌ بِلَا خِلَافٍ، فَهِيَ الْعُقُودُ الَّتِي الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمُعَاوَضَةُ).

يعني التي تكون مقابل عوض، كالبيع والإجارة والسلم والهبة التي تعرف بهبة الثواب، لأن الهبة على قسمين:

الأول: أن يهبك إنسان هبة ولا يريدَ مقابلًا لها، بل يريد بذلك وجه الله، فيعطيك عطية تكريمًا لك وتقديرًا، لا يرجو من ورائها شيئًا.

الثاني: أن يهدي إنسان إنسانًا كبيرًا هدية يسيرة، ويتطلع إلى ما هو أكثر (١)، كما حصل ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وهذا القسم الثاني يسمى هدية ثواب، لأن المهدي يريد من المهدى إليه أن يثيبه عليها ويجازيه مقابل الهدية، فهذا له هوًى في هذه الهدية، وله مقصد منها، فلم تكن خالصة كمن يهدي لأخيه هدية خالصة لا يطلب عليها جزاء ولا شكورًا، إلا من الله سبحانه وتعالى (٣).


(١) يُنظر: "القبس في شرح الموطأ"، لابن العربي (ص ٩٣٧)، وفيه قال: "وقد تكونُ الهبةُ لصلةِ الرحم وهي من المعروف المؤجل العوض، وقد تكون طلبًا لمحض العوض من الواهب في مال الموهوب؛ فأما مالك فقضى به، وأما جمهور العلماء منهم الحنفية والشافعية فحرموه؛ لأنها مبايعة بثمنٍ مجهولٍ".
(٢) أخرجه الترمذي (٣٩٤٥) عن أبي هريرة، أن أعرابيًّا أَهْدَى لرسول - صلى الله عليه وسلم - بَكْرَةً فعوَّضَه منها سِتَّ بَكَراتٍ فَتَسَخطَها، فبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عليه، ثم قال: "إن فلانًا أَهْدَى إليَّ ناقةً فعوضته منها ست بكرات فظل ساخطًا، لقد هَمَمْتُ أن لا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إلا مِن قرشي أو أنصاري أو ثقفيٍّ أو دَوْسِيٍّ". وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢١١٩).
(٣) قال الباجي: "العقود على ثلاثة أضرب: عقد مختص بالعوض؛ كالبيع والنكاح، فهذه يثبت فيها حكم الرد بالعيب، والضرب الثاني: عقد مختص بالمكارمة ونفي العوض؛ كالهبة لغير الثواب والصدقة، فهذا لا يثبت فيه حكم الرد بالعيب، والضرب الثالث: عقود ظاهرها المكارمة ولها تعلق بالمعاوضة كالهبة للثواب، فهذه حكى القاضي أبو إسحاق عن عبد الملك أن الموهوب له لا يرد بعيب، وعن المغيرة مثل ذلك ولا في العيب المفسد، ووجه ذلك أن هذه عقود جرت العادة بأن يكون=

<<  <  ج: ص:  >  >>