للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: قالوا: إن الله سبحانه وتعالى نهى عن وطء الحائض؛ لوجود الأذى، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢]، والأذى موجودٌ أيضًا في المستحاضة، والحكم يَدُورُ مع علته وجودًا وعدمًا.

وَأَجَاب الجُمْهور: أنَّ هذه امرأةٌ خُفِّفَ عنها للمشقة، فهي تعامل معاملة الطاهرات، وَوَردتْ عن الصحابة آثارٌ تفيد ذلك، فكانت حمنة يغشاها زوجها، وكذلك أم حبيبة - رضي الله عنها - وهي مستحاضة، واشتهر هذا ولم ينكر، وتأولوا أثر عائشة - رضي الله عنها - أنه لا يغشاها زوجها من باب التقذُّر، وعليه فالصحيح - في نظري - هو مذهب الجمهور، وَاللهُ أَعْلَمُ.

وأما قول المؤلف: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ إِبَاحَةُ الصَّلَاةِ لَهَا هِىَ رُخْصَةٌ لِمَكَانِ تَأْكِيدِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَمْ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهَا الصَّلَاةُ؛ لِأَنُّ حُكْمَهَا حُكْمُ الطَّاهِرِ؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ لَمْ يُجِزْ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا)، فلا أدري من أين جاء المؤلف بهذا التعليل، لكن دليلهم ما تقدَّم ذكرُهُ، والجواب عنه.

القول الثالث: أنه لا يأتيها زوجها إلا أن يطول ذلك بها، وذلك أن حالها أخفُّ من حال الحائض، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد (١).

* قوله: (وَهِيَ بِالجُمْلَةِ مَسْأَلَةٌ مَسْكُوتٌ عَنْهَا): هكذا ذكر، والمسألة ليس مسكوتًا عنها في الحقيقة؛ لأنه قَدْ ورد فيها نصوصٌ، فعن عائشة - رضي الله عنها -: " المستحاضة لا يغشاها زوجها " (٢)، وعن حمنة - رضي الله عنها - أنَّه كان يطؤها زوجها (٣)، وكذلك عن أُمِّ حبيبة أنه كان يغشاها زوجها (٤) وهما مستحاضتان، كما مرَّ ذكرُهُ.


(١) يُنظر: " شرح منتهى الإرادات " للبهوتي (١/ ١٢١)، قال: " (وحرم وطء مستحاضة من غير خوف عنت منه أو منها)؛ لقول عائشة: " المستحاضة لا يغشاها زوجها "، فإن خافه أو خافته أبيح وطؤها، ولو لواجد الطول، خلافًا لابن عقيل، وكذا إن كان به شبق شديد؛ لأنه أخف من الحيض، ومدته تطول، بخلاف الحيض ".
(٢) أخرجه البيهقيُّ في " السنن الكبرى " (٢/ ٤٥١)، والصحيح أنه من قول الشعبيِّ.
(٣) أخرجه أبو داود (٣٠٩)، وحَسَّن إسناده الأَلْبَانيُّ في " صحيح أبي داود " (٣٢٩).
(٤) أخرجه أبو داود (٣١٠)، وصحح إسناده الأَلْبَانيُّ في " صحيح أبي داود " (٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>