للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحجة عند غيرهم (١)؛ لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - كما هو معلوم - تفرقوا في الأمصار؛ فمنهم من ذهب إلى الشام، ومنهم من ذهب إلى مصر، ومنهم من ذهب إلى مكة، ومنهم من ذهب إلى الطائف، وقد انتشروا في الآفاق، ومنهم من بقي في المدينة، وكذلك غيرهم من التابعين، فلا يعتبر إجماع أهل المدينة إذن حجة عند غير المالكية.


= محمول على أن روايتهم متقدمة. وقيل: على المنقولات المستمرة، كالأذان والإقامة.
والصحيح: التعميم". وانظر تحرير المسألة وتفصيلها في: "ترتيب المدارك"، للقاضي عياض (١/ ٤٤ - ٥٩).
(١) يُنظر عند الأحناف: "الفصول في الأصول"، لأبي بكر الجصاص (٣/ ٣٢ - ٣٢٩)، حيث قال: " (زعم قوم) من المتأخرين: أن إجماع أهل المدينة لا يسوغ لأهل سائر الأعصار مخالفتهم فيما أجمعوا عليه، وقال سائر الفقهاء: أهل المدينة وسائر الناس غيرهم في ذلك سواء، وليس لأهل المدينة مزية عليهم في لزوم اتباعهم. والدليل على صحة هذا القول: أن جميع الآي الدالة على صحة حجة الإجماع ليس فيها تخصيص أهل المدينة بها من غيرهم؛ لأن قولُهُ تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} خطاب لسائر الأمة لا يختص بهذا الاسم أهل المدينة دون غيرهم. وكذلك قولُهُ تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}، وقوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} قد عصت هذه الآيات سائر الأمم، فغير جائز لأحد أن يختص بها على أهل المدينة دون غيرهم … ".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "التبصرة في أصول الفقه"، للشيرازي (ص ٣٦٥)، حيث قال: "إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة لَيْسَ بحجَّة، وروي عَن مَالك رحمه الله أَنه قَالَ: إِجْمَاعهم حجَّة. لنا: جميع ما ذكرْنَاهُ في المَسْأَلَة قبلها، ولأَن الاعْتِبار بالعلم ومعرِفة الأُصول، وقد اسْتَوى فيه أهل المدينَة وَغيرهم، ولأَنَه أحد الحَرمينِ فلَمَ يُقدم إِجْماع أَهله كإجماع أهل مكَّة".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "روضة الناظر"، لابن قدامة (١/ ٤١١ - ٤١٤)، حيث قال: "وإجماع أهل المدينة ليس بحجة. وقال مالك: هو حجة؛ لأنها معدن العلم، ومنزل الوحي، وبها أولاد الصحابة، فيستحيل اتفاقهم على غير الحق، وخروجه عنهم. ولنا: أن العصمة تثبت للأمة بكليتها، وليس أهل المدينة كل الأمة. وقد خرج من المدينة من هو أعلم من الباقين بها: كعلي، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وأبي عبيدة، وأبي موسى، وغيرهم من الصحابة، فلا ينعقد الإجماع بدونهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>