للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا من حسن ترتيب المؤلف؛ إذ يشير إشارات لطيفة إلى المسائل التي سبق ذكرها.

قوله: (وقد تكلمنا في شرط القبض … إلخ) سبق الكلام عن القبض وأن العلماء متفقون على أنه من ضمان المشتري بعد القبض إلا ما يتعلق بالعهدة؛ والعهدة - كما سبق - من مفردات مذهب مالك ولم يقل بها الأئمة الثلاثة - أبو حنيفة والشافعي وأحمد - لأن الأحاديث التي وردت فيها لم تصح عندهم (١).

قوله: (الْجَوَائِح): الجوائح جمع جائحة؛ من جاح يجوح كأنها تجتاح الشيء. قالوا: اجتاحت السيول المكان، أي مرت عليه وأثرت فيه، وربما جعلته خرابًا، والجائحة هي الآفة التي تصيب الثمار، وتكون الجائحة بالآفات السماوية كالبرق، وكذلك أيضًا بالقحط والسيول والجراد ونحوها (٢). وسيذكر المؤلف حكم الجوائح واختلاف العلماء فيها.

قال المصنف رحمه الله تعالى:


= ثمرًا، ثم أصابته جائحة، ما لك أن تأخذ منه شيئًا، لم تأخذ مال أخيك بغير حق".
قال أبو بكر - ابن المنذر -: قالت طائفة: لا يرجع بالجائحة على البائع، هذا قول الشافعي، والنعمان. وقال مالك: الجائحة التي توضع عن المشتري الثلث فصاعدًا، ولا توضع أقل من الثلث، ويكون ذلك من مال المشتري، والجائحة من الريح، والحريق، والبرد". انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" (٦/ ٢٩، ٣٠).
وذكر "ابن عبد البر" سبب تحديد المالكية الثلث في الجوائح، فقال: "إن مالكًا وأصحابه وجمهور أهل المدينة يراعون الجائحة ويعتبرون فيها أن تبلغ ثلث الثمرة فصاعدًا، فإن بلغت الثلث فصاعدًا حكموا بها على البائع وجعلوا المصيبة منه، وما كان دون الثلث ألغوه وكانت المصيبة عندهم فيه من المبتاع، وجعلوا ما دون الثلث تبعًا لا يلتفت إليه، وهو عندهم في حكم التافه اليسير؛ إذ لا تخلو ثمرة من أن يتعذر القليل من طيبها وأن يلحقها في اليسير منها فساد، فلما لم يراع الجميع ذلك التافه الحقير كان ما دون الثلث عندهم كذلك". انظر: "التمهيد" (٢/ ١٩٦).
(١) سبقت هذه المسألة بالتفصيل.
(٢) تقدم ذكر تعريفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>