للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآفات الأرضية التي من صنع الآدميين فالحنابلة (١) وبعض أصحاب مالك رأوه جائحة، وبعضهم لم يره جائحة.

والذين رأوه جائحة انقسموا إلى فريقين:

الأول: يرى أن ما كان بالغلبة - كالجيوش التي تأتِي على الثمارِ فتأكُلَهَا وتُفنِيَهَا ونحوِ ذلك - يُعتَبَرُ جائحةً لو هاجَمُوا المَزرَعَةَ فأكلوها غلبةً وليس مُغافَصَةً - والمُغَافَصَةُ بمعنى: المخادعة وأخذ الشيء على غِرَّة - وما كان بغير غلبة بل بخديعة أو سرقة فليس بجائحة. ومثال ذلك: إذا جاءَ سارقٌ فسرقَ الثمارَ، فهذه مسألةٌ مختَلَفٌ فيها في المذهبين؛ فبعضهم يراها جائحةً، وبعضهم لا يراها كذلك، والذي يرى أنها ليست جائحةً يقولُ بأنه مخَيَّرٌ بين أن يُنهِيَ العقدَ أو يُطَالِبَ البائعَ، وبعضهم يقولُ: بل يَبْقَى على ما بَقِيَ من الثمار ويُطَالِبَ مَن تَعَدَّى عليها.

الثاني: بعض الفقهاء اعتَبَرَ كلَّ ما يُصيبُ الثمرةَ من جهة الآدميين جائحةً على أي وجهٍ كانت؛ سرقةً أو غلبةً أو غيرها.

* قوله: (فَمَنْ جَعَلَهَا فِي الْأُمُورِ السَّمَاوِيَّةِ فَقَطِ اعْتَمَدَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنْعَ اللهُ الثَّمَرَةَ؟ " (٢)).

أي: مَن جعل الجائحة في الأمور السماوية فقط استدل بظاهر قوله - عليه الصلاة والسلام -: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنْعَ اللهُ الثَّمَرَةَ؟ ". والمقصود بأن يمنع الله الثمرة كأن يوقف الله المطَر، أو جاء بردٌ شديدٌ أو قَحْطٌ، أو جاءَ جَرَادٌ فهاجَمَ الثَّمَرَ فقضى عليه … إلى غير ذلك من الآفات السماوية.


(١) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٢/ ٨٦) حيث قال: " (وهي) أي الجائحة (ما) أي آفة (لا صنع لآدمي فيها) ".
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٠٨)، ومسلم (١٥٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>