للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحنان تتبعه منهما، وأي أذًى من الولد ولو كان صغيرًا فهو يؤثر فيهما ويسبب لهما الحزن والأسى. وعليه أن يظهر أمامهما السرور والراحة حتى ولو وجد ما يضيق صدره ويعكر صفوه، وينبغي ألا ينكر ذلك حتى يحافظ على شعورهما ولا يؤذيهما.

الثاني: إذا كانت العلة مساوية لحكم المنطوق به (١)، ومنه قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)} [النساء: ١٠] فالله تعالى حرم أكل أموال اليتامى لأن اليتيم كما هو معروف ضعيف، والضعيف ينبغي أن يهتم بأمره، ولذلك ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يرفع قدر عمل العبد ويثاب عليه أن يمسح على رأس اليتيم، وأن يعطف عليه لأنه بحاجة إلى الشفقة والرفق، وبحاجة إلى العناية، ومن العناية أن يحفظ ماله ويحافظ عليه لا أن يضيع، إذن نص الآية ولو أُحرق مال اليتيم أو أُغرق فهو لا شك كأكله تمامًا، وهذا نسميه مفهوم موافقة مساوي، فالعلة في المنطوق به تكون مساوية للعلة في المسكوت عنه، ومن الأمثلة كذلك ما مرَّ بنا في باب النكاح، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، وهي عِدَّة التي تحيض، إذ تتربص بنفسها ثلاثة قروء.

ويقول تبارك وتعالى أيضًا: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤].

ومنه فعدة المرأة ثلاثة قروء بالنسبة للمطلقة، والعلة في كون المرأة المطلقة تتربص ثلاثة قروء هو براءة الرحم، إذن كذلك التي يفسخ نكاحها


(١) ويسميه البعض لحن الخطاب، قال المرداوي في "التحبير" (٦/ ٢٨٧٨): "مثل إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرًا في المعنى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠] فالإحراق مساو لأكل مالهم بواسطة الإتلاف في الصورتين فسماه بعضهم كما تقدم لحن الخطاب، والذي قبله فحوى الخطاب".

<<  <  ج: ص:  >  >>