للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو حنيفة: هي للبائع مطلقًا؛ أبرت أو لم تؤبر، وأخذ بمفهوم دلالة الأولى والأحرى، وهو ما يعرف عند الحنفية بدلالة النص، وهو ثبوت حكم بالمنطوق به للمسكوت عنهم لاشتراكهما في علة الحكم، فهم يرون أن حكم المنطوق به يثبت للمسكوت عنه ثبوتًا أولى وأحرى، وهو ما يعرف عند بقية الأصوليين بمفهوم الموافقة.

لكن هذه العلة الموجودة في الملحق - المسكوت عنه - قد تكون مساوية لحكم المنطوق به، وربما تكون أقوى منها، فهي بذلك على قسمين:

الأول: إن كانت أقوى منها نسميه مفهوم أولى وأحرى، كما في قول الله سبحانه وتعالى في شأن الوالدين: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)} [الإسراء: ٢٣، ٢٤] فالله سبحانه وتعالى يحرم التأفف من الولد لوالديه، فلا يجوز له أن يقول لهما: "أف"، وليس له أن ينهرهما ولا أن يرفع صوته عليهما، وهذا نصٌّ في التحريم.

فما بالك أن يشتم والديه، أو يضربهما، أو يمنعهما الطعام أو الشراب أو الكساء، أو يؤذيهما بأي نوع من الأذى؛ فلا شك أن هذا أشد قسوة وأعظم إثمًا.

وهذا الذي يسمى عند الأصوليين مفهوم أولى؛ لأن العلة فيه أقوى، فلا شك أن السب والضرب ومنع الأكل والحبس إنما هي أقوى من التأفف؛ بل ذكر العلماء بأنه لا ينبغي للولد أن يظهر أمام والديه التضجر، وكلمة (أف) لا ينبغي أن يقولها أمامهما، فالأب والأم فيهما من الشفقة التي غرسها الله سبحانه وتعالى في قلوبهما ونفوسهما مما لا يوصف تجاه أولادهما، وحتى إن كبر الرجل وشبَّ وأصبح رجلًا سويًّا فالرحمة والشفقة والعطف


= تحريم التأفيف المنطوق لكونه أشد منه في الإيذاء. يُنظر: "طريقة الحصول" لزكريا الأنصاري (١/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>