للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحمد (١)؛ لحديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يا أبا ذرٍّ، أبدأ فيها "، فبدوت إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة، فأمكث الخمس والست، فَأتيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أبو ذرٍّ "، فسكت فقال: " ثَكلَتْك أمُّك أبا ذرٍّ، لأمك الويل "، فدعا لي بجاريةٍ سَوْداء، فجاءت بعس فيه ماء، فسترتني بثوب واستترت بالراحلة، واغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلًا، فقال: " الصَّعيد الطَّيِّب وضوء المسلم ولَوْ إلى عشر سنين، فإذا وجدتَ الماء فأمسه جلدك، فإنَّ ذلك خيرٌ " (٢).

القَوْل الثَّانِي: أنه لا يَجُوز له أن يتيمم، وإليه ذَهَب أبو حنيفة (٣)، وحُجَّته: أنَّ الله تَعالَى قيَّد إباحة التيمم بالسفر، فَقَال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر} [النساء: ٤٣]، قال: ولم يذكر الحاضر، فيَنْبغي الوقوف عند النَّصِّ.

وأمَّا الجمهور فقَدْ أَخَذوا بعموم الأدلة، وأنَّ سببَ التَّيمُّم فقدان الماء، فحيثما فُقِدَ الماء أبيح التيمُّم؛ سفرًا كان أو حضرًا، وإنما ذكر المسافر؛ لأنَّ غالبَ فقدان الماء إنَّما هو في السفر، وأمَّا الحاضر فإنه يندر ألَّا يجد الماء.

والراجح هو قول الجمهور، وأنه لا خلافَ بين حال المسافر وغير المسافر.


(١) يُنظر: " مطالب أولي النهى " للرحيباني (١/ ١٩٣)، قال: " وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ الصعيد الطيب طهور المسلم وَإِنْ لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسَّه بشرته، فإن ذلك خير "، قال الترمذي: حسن صحيح، وهذا عامٌّ في الحضر والسفر الطويل والقصير، ولأنه عادم للماء أشبه المسافر، وأما الآية: فلعلَّ ذكر السفر فيها خرَج مخرج الغالب ".
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٢)، وصححه الأَلْبَانيُّ في " صحيح أبي داود " (٣٥٨).
(٣) يُنظر: " الهداية " للمرغيناني (١/ ٢٧) قال: " ومَنْ لم يجد ماء وهو مسافر أو خارج المصر بينه وبين المصر نحو ميل أو أكثر، يتيمم بالصعيد؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]، وقوله عليه الصلاة والسلام: " التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء "، والميل هو المختار في المقدار؛ لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر، والماء معدوم حقيقة، والمعتبر المسافة دون خوف الفوت؛ لأن التفريط يأتي من قبله ".

<<  <  ج: ص:  >  >>