للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحفظ مسائله الأصول، واستطاع أن يُخرِّج عليها كثيرًا من المسائل التي ليست من أقوال الأئمة، لذلك لمَّا جاء أصحاب المذاهب وعرفوا علل الأحكام التي بنى عليها الأئمة مسائلهم؛ حينئذٍ بدؤوا يُخرِّجون عليها المسائل النَّوازل.

فلو حفظ إنسان كل مسائل الفقه - وهو ليس بفقيه -، عندما تنزل به نازلة، أو تحدث حادثة، أو يسأل عن مهمة من المهمات يقف حيرانًا، لكن الفقيه (١) اللبيب المدرك الذي يغوص في المسائل، ويدقق فيها، ويستخرج كنوزها؛ هو الذي يصل إلى هذه الرتبة.

* قوله: (كَمَا نَجِدُ مُتَفَقِّهَةَ (٢) زَمَانِنَا؛ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَفْقَهَ هُوَ الَّذِي حَفِظَ مَسَائِلَ أَكْثَرَ).

هناك فقيهٌ، وهناك مُتفقِّه، والمصنِّف يقول: "زماننا"، وهو توفي سنة خمس مئة وعشرين؛ أي: في آخر القرن السادس؛ الذي كان فيه جهابذة العلماء، وكثير من الأئمة، يقول: "متفقهة زماننا؛ يظنون أنَّ من يحفظ المسائل هو الفقيه"، فماذا عن هذا الزمان الذي كثرت فيه الشواغل، وانصرفت الأذهان، وضَعُفَت الهمم، وأصبحنا نتطلب المسائل الواضحة التي لا تُكِد ذهنًا، ولا تُتعب فكرًا، بل يُقال: "المُدرس الفولاني يَتشدد، يشرح المسائل في المتون الغامضة، نحتاج أن يُوضِّح لنا، وأن يضع لنا مُذكِّرة! "، هذه فوائدها محصورة؛ لا تُخرَّج العلماء إلا من الكتب القديمة ذات الحواشي، إذا درسوها، وتعمقوا فيها، وأشغلوا أذهانهم حتى تعودوا على تفكيك تلك المسائل، والغوص فيها، وأصبحت سهلة، لكن إذا عوَّدت نفسك على المسائل البسيطة؛ يبقى


(١) الفقيه: "الْعَالم الَّذِي يَشق الْأَحْكَام، ويفتش عَن حقائقها، وَيفتح مَا استغلق مِنْهَا".
انظر: "الفائق في غريب الحديث"؛ للزمخشري (٣/ ١٣٤).
(٢) المُتفقِه: "بضم الميم وكسر القاف؛ هو المشتغل بعلم الفقه". انظر: "معجم لغة الفقهاء"؛ لمحمد رواس قلعجي، حامد صادق قنيبي (ص ٤٠٣).
وربما أطلقوه على المتوسط في الفقه. انظر: "كفاية الطالب الرباني"؛ للشاذلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>