وبعض الناس يرى أنَّ علم النحو لا قيمة له!، ولا شكَّ أنَّ علم النحو من أجلِّ العلوم، فهو الذي ينقلك من المسالك المعوجة ليصل بك إلى كتاب الله - صلى الله عليه وسلم -، واللهُ أنزل القرآن بلسانٍ عربيٍّ مُبين، وكذلك سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك عن عبد الله بن عمر:"عندما نزلت الآية، وهو صغير، وفهمها، ثم سأل الرسولُ واستحى أن يجيب"(١)، وكثيرًا ما كان الصحابة يَلجؤون إلى أهلِ البادية ليسألونهم عن بعض الأمور - كلهجةٍ لم تكن معروفة عندهم - بل كان واضعوا علم اللغة يَطوفون في البوادي ليسألوا الأعرابَ عن لغتهم إذا أُشكلت عليهم كلمة.
أي: ما هو مساوٍ لحجم هذا الكتاب، أو أقلَّ، فلو قرأتَ ما يساوي هذا الكتاب، أو نصفه - مجلدًا، أو نصفه - من النحو، وفهمته؛ لكفاك، وأنا أقول: نصف هذا الكتاب يكفي، لو قرأت مثلًا: كتابًا من كتب ابن هشام المبسوطة؛ كأوضح المسالك، أو شرح ابن عقيل على الألفية؛ لكفاك.
هذه مسألة مهمة: الإنسان لا يكون فقيهًا بكثرة ما يحفظ من المسائل، وهو لا يخرج عن نطاقها، وإنَّما يكون فقيهًا إذا فهم الفقه،
(١) أقرب ما وقفت عليه في هذا ما أخرجه البخاري (٦١)، ومسلم (٢٨١١) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنَّها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ " فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنَّها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: "هي النَّخلة".