للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لما يُرضي رسولَ اللهِ" (١)، لم يجد الحكم في كتاب الله، ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا بُدَّ أن يجتهد، وهذا الحديث وإن تكلَّم العلماء في سنده، لكنهم اتفقوا على أنَّ معناه صحيح، وأنه يَصبُّ في هذه الشريعة (٢). وهكذا كان الصحابة - رضي الله عنهم -، ولذلك لمَّا كتب - ذلكم الرجل الصحابي الجليل الملهم - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما كتب كتابه العظيم إلى أبي موسى الأشعري، وقد ولَّاه القضاء - والذي شرحه العلامة ابن القيم في مجلدين - أوصى فقال: "الفهمَ الفهمَ فيما يَتَلَجْلَجُ في نفسك" ثم قال: "اعرف الأشباه والأمثال، وقسِ الأمورَ برأيك"، فطلب منه أن يُعْمِلَ فكره في المسائل التي لا يجد فيها نصًّا، وأن يجتهد فيها، وأن يُدقق النظر فيها (٣).

واعلم أنَّ للفقه الإسلامي مصادر، وأنَّ هذه المصادر تنقسم إلى قسمين:


(١) أخرجه أبو داود (٣٥٩٢)، وغيره. وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٨٨١).
(٢) لذلك اعتبره شيخ الإسلام من الأدلة على جواز الرجوع إلى أقوال الصحابة في فهم كتاب الله؛ إذا لم يوجد التفسير في القرآن، ولا في السنة: قال: "وهذا الحديث في المساند، والسنن بإسناد جيد. وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن، ولا في السنة؛ رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنَّهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم، وكبراؤهم؛ كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين". انظر: "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٣٦٤).
(٣) انظر: "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي"؛ لعلاء الدين البخاري (٣/ ٢٨١)، حيث قال: " … وأمثال هذه الآثار بحيث لا تحصى كثرة، فلما ثبت عن هؤلاء العمل بالرأي، ولم يظهر عن غيرهم إنكار؛ عرفنا أنَّهم كانوا مجمعين على ذلك فيما لا نص فيه، وكفى بإجماعهم حجة".
قال ابن القيم: "ومن ذلك أيضًا اجتهاد الصحابة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كثير من الأحكام، ولم يعنفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يُصلُّوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلَّاها في الطريق، وقال: لم يرد منا التأخير، وإنَّما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخَّروها إلى بني قريظة، فصلُّوها ليلًا، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس". انظر: "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (١/ ١٥٥، ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>