والمراد بالحاجة هنا: "ما كان دون الضرورة؛ لأنَّ مراتب ما يحرص الشرع على توفيره للإنسان ثلاث؛ الأولى: الضرورة: وهي بلوغ الإنسان حدًّا إذا لم يتناول الممنوع عنه؛ هلك أو قارب، وهذا يبيح تناول الحرام، كما فُصِّل في قاعدةٍ سابقة. الثانية: الحاجة: وهي بلوغ الإنسان حدًّا لو لم يجد ما يأكله؛ لم يهلك، غير أنَّه يكون في جهد ومشقة، فهذا لا يبيح الحرام، ولكنَّه يسوغ الخروج على بعض القواعد العامة، ويبيح الفطر في الصوم. الثالثة: الكمالية أو التحسينية: وهي ما يقصد من فعله نوع من الترفه، وزيادة في لين العيش، وما عدا ذلك فهو زينة وفضول، دون الخروج عن الحد المشروع. فإذا كانت هناك حاجة عامَّة لمجموع من الناس، أو خاصَّة بشخص ما: نزِّلت هذه الحاجة منزلة الضرورة في جواز الترخيص لأجلها، لكنَّ الحاجة مبنية على التوسع والتسهيل فيما يسع العبد تركه، بخلاف الضرورة؛ لأنَّ مبنى الضرورة على لزوم فعل ما لا بُدَّ منه للتخلص من عهدة تلزم العبد ولا يسعه الترك". انظر: "الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية" (ص ٢٤٢). (٢) انظر: "البيان والتحصيل"؛ لأبي الوليد بن رشد (٦/ ٤٧١، ٤٧٢)، حيث قال: "وسئل مالك عن رجل يأتي بيت الضَّرب بالمال فيصفيه، ثم بعد أن يعطيه أهل بيت الضرب دنانير بوزنه، ويعطيهم ضربها. قال: إنَّه قد كره الذي يُصيب الناس من الحبس فيها، فقيل له: ويخافون مع ذلك، قال: صدقت وأرجو ألَّا يكون به بأس، قال ابن القاسم: ثم أقول بعد ذلك: ما هو من عمل الأبرار. قال عيسى: قال ابن القاسم: وسمعته يتكلم فيه غير مرة ولا يحرمه، ويرجو أن يكون فيه سعة، وينحو إلى أن يعمل به الرجل في خاصَّة نفسه، قال عيسى: لا يعجبني، قال ابن القاسم: خفيفًا للمُضطر، وذوي الحاجة".