للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه … " إلى آخر الحديث، فإن تفرَّقا وجب البيع (١).

قوله: (وَعُمْدَةُ مَنْ مَنَعَهُ أَنَّهُ غَرَرٌ).

لأنَّه إذا بقي ثلاثة أيام أو أكثر من ذلك، فهذا فيه غَررٌ، وما هو الغرر الذي يقصدون؟ أنَّ كلَّ واحدٍ منهما قد يلحقه ضرر، فإذا انتظر البائع ثلاثة أيام، وعند من يقول: أكثر من ثلاثة أيام، لا قيد لذلك، فربما إذا مضت هذه المدة يأتي المشتري فيقول: لا أريد هذه السلعة، فكأن البائع قد لحقه ضرر حينئذٍ، لأنه قد يأتيه آخر فيدفع له أكثر مما دفع الأول، فإذا ما جاء الأول وعدل عن البيع، لا يجد مَنْ تَقدَّم لسلعته سابقًا، وربما يحبس المشتري نفسه على هذه السلعة ويفكر فيها، فإذا ما جاء مقدمًا عليها، راغبًا في شرائها، يقول له البائع: أنا عدلت عن البيع، فيلحقه أيضًا ضررٌ، وربما هو أيضًا جاءته سلعة أخرى لو اشتراها لاستفاد، لكن لو أردنا أن نأتي في كل أمر صغير أو كبير، فنقول: فيه وفيه، ربما يندر أن تجد أمرًا من الأمور إلا ويعتريه شيء، لكن الشريعة السمحة نظرت إلى ما هو أهم، وهو أن هذا البيع صفقةٌ، دارٌ ستنتقل إلى زيد، وربما بضاعة من البضائع تحتاج إلى إعْمَالِ فِكْرِ، وَإلَى تَدبُّرٍ إلى أَنْ يستشير حتى لا يقع في أَمْرٍ يكرهه، وَربما أنَّ البائع أَيضًا يجهل الأسعار، فربما يندفع فيبيع السلعة بأقلَّ من ثمنها بكثيرٍ، فيتضرر فيندم على ذلك، فأيُّ المصلحتين أولى؟

لا شك أن البيع إذا تم عن رضا كما قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩].

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما البيع عن تراض" (٢)، فلا شك أنه أولى، وربما


(١) أخرجه البخاري (٢١١٢)، ومسلم (١٥٣١).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢١٨٥)، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "التعليقات الحسان" (٧/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>