للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه المسألة انقسم فيها العلماء إلى قسمين، وبها ستعلمون دقة فَهْم الفقهاء - رحمهم الله تعالى - لهذا الفقه، وغوصهم فيه، كيف كانوا يُدقِّقون، وكيف أنَّ بعضهم يحتاط إلى هذه المسألة، وربما يكون احتياطُ أحدهم نوعًا من التشدُّد، وقد يظهر لنا لكنه يراه أبرأ وأحوط لدينه؟ ولذلك فالأئمَّة الثَّلاثة أبو حنيفة (١) والشافعي (٢) وأحمد (٣) في جانب، ومالكٌ في جانب، فمالكٌ منع، وفي روايةٍ: كره، والأئمةُ الثلاثةُ أجازوا ذلك دون كراهة.

فاشتراط النقد لا يجوز عند مالكٍ رَحِمه الله، وسكت عنه الأئمة الآخرون، لكن المؤلف أشار إلى ضعفٍ في هذا الرأي، وهذا دليل على إنصاف المؤلف، وأنَّه ليس مُتَعصِّبًا لمذهبه، فهو مالكي، ولكنه رأى أن هذا التعليل الذي أورده المالكية هو تعليل ضعيف غير قوي، وغير مُسلَّم به، لكنه ما ذكَر أقوال الأئمة الثلاثة، والأئمَّة الثلاثة يرون جواز ذلك، ولا مانع، وقال: لا يجوز عند مالك وأصحابه؛ لأنه ربما يوقع في بيع وسلف، ومر بنا قبلُ مسائلُ كثيرة جدًّا في البيوع.

وفي الحديث الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا تَبعْ ما ليس عندك" (٤)، الشاهد هنا الذي


(١) يُنظر: "البناية شرح الهداية" للعيني (٨/ ٥٢) حيث قال: " (ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام، فلا بيع بينها جاز)، ويُسمَّى هذا خيار النقد".
(٢) يُنظر: "روضة الطالبين" للنووي (٣/ ٤٤٥) حيث قال: "لو اشترى بشرط أنه إن لم ينقده الثمن في ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما أو باع بشرط أنه إن رد الثمن في ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما، بطل البيع".
(٣) يُنظر: "الروض المربع" للبهوتي (ص ٣٢١) حيث قال: " (و) إن قال البائع: (بعتك) كذا بكذا (على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث) ليال مثلًا أو على أن ترهنه بثمنه (وإلا) تفعل ذلك (فلا بيع بيننا) وقبل المشتري (صح) البيع والتعليق كما لو شرط الخيار، وينفسخ إن لم يفعل".
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>