معنا:"لا يحل سلف وبيع"، وهذه مسألةٌ اتفق عليها العلماء، ولا خلاف بينهم (١)، لكن هذا الذي أورده المالكية ليس صريحًا في هذه المسألة فهو خشيةٌ وتخوفٌ منهم أن يدخل في سلف وبيع، وسترون أن فهمهم بعيد جدًّا، فهم يقولون: هذا بيع فيه خيار وشرط، فإذا ما دفع المشتري الثَمنَ للبائع، ثم بعد ذلك حَازَ السلعة إليه، ثم قبل انقضاء مدة الخيار لم يتفقا على البيع؛ إما لأن البائع عدل، أو المشتري، ما الذي سيحصل؟ تفاسخ، إذًا لا بيع هنا، ويُصْبح هذا المبلغ الذي سلَّمه المشتري للبائع كأنه أقرضه إياه، قالوا: فهذه شبهةٌ توقع في بيعٍ وسلفٍ، وقد جاء النهي عن ذلك، فما جواب جمهور العلماء عن هذا التعليل؟
قَالَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ: هذا نوعٌ من أنواع البيع، فَجَاز قياسًا على الإجارة، ألست تُقدِّم ثمن الإجارة، فقد تذهب إلى خياطٍ أو إلى إنسانٍ ليَبْني لك جدارًا، أو يعمل لك عملًا وتعطي له الأجرة، وربما لا تتم هذه الأجرة، وربما لا يبني الجدار، وربما لا يخيط لك الثوب، قالوا: هذا بَيعٌ، فجاز التقديم، هذا من نَاحِيَةٍ، وقالوا: العلة التي ذَكَرها المالكية (أنه قد يوقع في سلفٍ وبيعٍ) غير واردةٍ عندنا؛ لأنَّنا لا نجيز للمشتري أن يَتَصرَّف في الثمن، إذْ هو أمَانةٌ عندَه، وعبَّر المؤلف عنه بأنه هو أمينٌ على الثمن الذي في يده، وإذا لم يجز له أن يتصرَّف في المال، فلا مكان لهذا التعليل أو هذا الإشكال الذي أوردتُمُوه علينا، وأعتقد أن مذهب جمهور العلماء في ذلك أصرح وأقوى، وأنه لا يرد عليه ما ورد على المالكية، وقد يرد ما أورده المالكية ما لو كان المشتري قبل أن يتم البيع حقيقةً تصرف في المبيع، أو أذن له، لكنه لم يؤذن له، فكأنه أمانة عنده، إذًا فلا إشكال هنا، ولا اعتراض.